فلمّا أتى بالقدح نفث فيه الساحر ثم قال: اعزم عليه أن يشربه، فشربه جرجيس حتى أتى على آخره. فلمّا فرغ منه قال له الساحر: ماذا تجد؟ قال: ما أجد إلّا خيرا، قد كنت عطشت فلطف الله بى بهذا الشراب فقوّانى به عليكم. فأقبل الساحر على الملك فقال له: اعلم أيها الملك إنك لو كنت تقاسى رجلا مثلك اذا لقد كنت غلبته، ولكنك تقاسى جبّار السموات والأرض. وهو الملك الذى لا يرام.
قال: وكانت امرأة مسكينة من أهل الشام سمعت بجرجيس وما يصنع من الأعاجيب، فأتته وهو فى أشدّ ما هو فيه من البلاء، فقالت له: يا جرجيس، إنّى امرأة مسكينة ولم يكن لى مال إلا ثورا أحرث عليه فمات، فجئتك لترحمنى وتدعو الله تعالى أن يحيى لى ثورى. فذرفت عيناه، ثم دعا الله تعالى أن يحيى لها ثورها، وأعطاها عصا وقال لها: اذهبى الى ثورك فاقرعيه بهذه العصا وقولى له: احى بإذن الله. فقالت: يا جرجيس، مات ثورى منذ أيام ومزّقته السباع، وبينى وبينه أيام. فقال: لو لم تجدى منه إلّا سنّا واحدة ثم قرعتها بالعصا لقام بإذن الله تعالى.
فانطلقت حتى أتت مصرع ثورها، وكان أوّل شىء بدا لها أحد روقيه وشعر أذنيه، فجمعت أحدهما الى الآخر ثم قرعتهما بالعصا وقالت كما أمرها، فقام الثور بإذن الله تعالى وعملت عليه. قال: فلما قال الساحر للملك ما قال، قال رجل من أصحاب الملك، وكان أعظمهم من بعد الملك، إنكم قد وضعتم أمر هذا الرجل على السحر، وإنكم عذّبتموه فلم يصل اليه عذابكم، وقتلتموه فلم يمت، فهل رأيتم ساحرا يدرأ عن نفسه الموت وأحيا ميّتا قط؟ فقالوا له: إنّ كلامك لكلام رجل قد صغا إليه فلعلّه استهواك. فقال: بل آمنت بالله، واشهدوا أنّى برىء مما تعبدون. فقام اليه الملك وأصحابه بالخناجر فقتلوه. فلمّا رأى القوم ذلك اتّبع جرجيس أربعة آلاف رجل. فعمد اليهم الملك فأوثقهم، ثم لم يزل يعذّبهم بأنواع العذاب حتى أفناهم. فلمّا