فأخلى له بيت فظلّ فيه جرجيس، حتى اذا أدركه الليل قام يصلّى ويقرأ الزّبور، وكان أحسن الناس صوتا. فلمّا سمعت امرأة الملك استجابت له، فلم يشعر إلّا وهى خلفه تبكى معه، فدعاها جرجيس الى الإيمان فآمنت به، وأمرها فكتمت إيمانها.
فلمّا أصبح غدا به الملك الى بيت الأصنام ليسجد لها. [وقيل للعجوز التى كان سجن فى بيتها: هل علمت أن جرجيس قد فتن بعدك فأصغى الى الدنيا وقد خرج به الملك الى بيت أصنامه ليسجد لها «١» ] فخرجت العجوز تحمل ابنها على عاتقها وتوبّخ جرجيس والناس مشغولون عنها. فلمّا دخل جرجيس بيت الأصنام ودخل الناس معه نظر فإذا العجوز وابنها على عاتقها أقرب الناس اليه مقاما؛ فدعا ابن العجوز باسمه فنطق وأجابه ولم [يكن «٢» ] يتكلّم قبل ذلك، ثم اقتحم عن عاتق أمه يمشى على رجليه وهما مستويتان وما وطئ على الأرض قبل ذلك قط. فلمّا وقف بين يدى جرجيس قال: اذهب فادع لى هذه الأصنام وهى حينئذ سبعون صنما على منابر من ذهب، وهم يعبدون الشمس والقمر معها. فقال له الغلام:
كيف أدعو الأصنام؟ قال: قل لها إن جرجيس يسألك ويعزم عليك بالذى خلقك إلّا أجبتيه. قال: فلمّا قال لها الغلام ذلك أقبلت تدحرج الى جرجيس، فلمّا انتهت اليه ركض الأرض برجله فخسف بها وبمنابرها، وخرج إبليس من جوف صنم منها هاربا فرقا من الخسف، فلمّا مرّ بجرجيس أخذ بناصيته، فخضع له وكلّمه جرجيس فقال له: أخبرنى أيها الرّوح النّجسة والخلق الملعون، ما الذى يحملك على أن تهلك نفسك وتهلك الناس وأنت تعلم أنك وجندك تصيرون الى جهنّم؟ فقال له إبليس: لو خيّرت بين ما أشرقت عليه الشمس وأظلم عليه الليل وبين هلكة واحد من بنى آدم وضلالته طرفة عين لاخترته على ذلك كله، وإنه ليقع لى من الشهوة واللذّة فى ذلك مثل جميع ما يتلذّذ به جميع الخلائق. ألم تعلم يا جرجيس أنّ الله تعالى