وقال أبو إسحاق الثعلبىّ رحمه الله تعالى فى قصصه- وذكر الخلاف فى نبوّته- قال: الصحيح إن شاء الله أنه كان نبيّا غير مرسل، كما روى عن وهب وغيره من أهل الكتب. قال وقالوا: كان ذو القرنين رجلا من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره، وكان اسمه إسكندروس. قال ويقال: كان اسمه ابن عيّاش «١» ، وكان عياش عبدا صالحا. قال وهب: ونشأ ذو القرنين فى علم وأدب وثروة وعفّة، ولم يزل يتخلّق بمكارم الأخلاق ويسمو إلى معالى الأمور حتى بعدت همّته، واشتدّ أمره، وعلا صوته، وعزّ فى قومه، وألقى الله تعالى عليه الهيبة، وحدّث نفسه بمعالى الأمور. قال الثعلبىّ: فلمّا استحكم ملكه واستجمع أمره أوحى الله تعالى إليه:
يا ذا القرنين، إنّى بعثتك إلى جميع الخلائق ما بين الخافقين، وجعلتك حجّتى عليهم، وهذا تأويل رؤياك. وإنى باعثك إلى أمم الأرض كلهم وهى سبع أمم مختلفة ألسنتهم، منهم أمّتان بينهما عرض الأرض، وأمّتان بينهما طول الأرض، وثلاث أمم فى وسط الأرض، وهم الإنس والجنّ ويأجوج ومأجوج. فأمّا الأمّتان اللتان بينهما طول «٢» الأرض فأمّة عند مغرب الشمس يقال لها ناسك، والأخرى [بحيالها عند مطلع الشمس «٣» ] يقال لها منسك. وأمّا الأمّتان اللتان بينهما عرض «٤» الأرض فأمّة فى قطر الأرض الأيمن يقال لها هاويل، والأخرى بحيالها فى قطر الأرض الأيسر يقال لها تاويل. فلمّا قال الله تعالى له ذلك قال ذو القرنين: إلهى إنك قد ندبتنى إلى أمر عظيم لا يقدر قدره «٥» إلا أنت؛ فأخبرنى عن هذه الأمم التى بعثتنى إليها بأىّ قوّة أكاثرهم، وبأىّ حيلة وجمع أكابرهم، وبأىّ صبر أقاسيهم، وبأىّ لسان أناطقهم؛ وكيف لى بأن أفقه لغاتهم، وبأىّ سمع أسمع أقوالهم، وبأىّ بصر أنفذهم، وبأىّ