للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حجّة أخاصمهم، وبأىّ عقل أعقل عنهم، وبأىّ قلب وحكمة أدبّر أمرهم، وبأىّ قسط أعدل بينهم، وبأىّ حلم أصابرهم، وبأىّ معرفة أفصل بينهم، وبأىّ علم أتقن أمرهم، وبأىّ يد أسطو عليهم، وبأىّ رجل أطؤهم، وبأىّ طاقة أحصيهم، وبأىّ جند أقاتلهم، وبأىّ رفق أتألفهم، وليس عندى يا إلهى شئ مما ذكرت يقوم لهم «١» ويقوى عليهم وأنت الرؤف الرحيم، الذى لا تكلّف نفسا إلا وسعها، ولا تحمّلها إلّا طاقتها، ولا تشقيها؛ بل أنت ترحمها. فقال الله تعالى له: إنى سأطوّقك ما حمّلتك، وأشرح لك صدرك وسمعك فتسمع وتعى كلّ شئ، وأوسّع لك فهمك فتفقه كلّ شئ، وأبسط لك لسانك فتنطق بكل شئ، وأفتح لك بصرك فينفذ فى كل شئ، وأحصى لك قوّتك «٢» فلا يفوتك شئ، وأشدّ لك عضدك فلا يهولك شئ، وأشيّد لك ركنك فلا يغلبك شئ، وأشدّ لك قبلك فلا يفزعك شئ، وأشدّ لك يديك «٣» فتسطو على كلّ شئ، وألبسك الهيبة فلا يروعك شئ، وأسخّر لك النور والظلمة وأجعلهما جندا من جنودك، يهديك النور من أمامك، وتحوطك الظلمة من ورائك. قال: فلما قيل له ذلك حدّث نفسه بالمسير، وألحّ عليه قومه بالمقام، فلم يفعل وقال: لابدّ من طاعة الله تعالى. قال وهب: وكان أوّل ما بدأ به أن أخذ قومه بالإسلام فأسلموا قهرا من عند آخرهم، ثم أمرهم أن يبنوا له مسجدا ويجعلوا طوله أربعمائة ذراع، وعرضه مائتى ذراع، وسمك حائطه اثنين وعشرين ذراعا، وارتفاعه فى السماء مائة ذراع، وأمرهم أن ينصبوا فيه سوارى. قالوا: يا ذا القرنين، كيف لنا بخشب يبلغ ما بين الحائطين؟ فلمّا كمل البناء أمرهم بردمه بالتراب، ثم فرض على الموسر قدره من الذهب وعلى المقتر قدره، وأمرهم أن يجعلوا ذلك الذهب كقلامة الظّفر