ويخلطوه بالتراب وكبسوا التراب حتى ساوى البناء، ثم أمرهم بعد ذلك أن يتّخذوا أعمدة من النحاس بدلا من الخشب فصنعوها، وجعلوا على كل حائط اثنى عشر ذراعا، فكان طول كل عمود من النحاس مائتين وأربعة وعشرين ذراعا، فتمكّنوا من ذلك بسبب الردم. فلمّا استقرّ «١» السقف بما فيه أمر الإسكندر المساكين أن يحوّلوا التراب، ومن خرج له شئ من الذهب فهو له، فسارعوا إلى ذلك ونقلوه واستغنوا بما فيه، ثم جنّد القوم أربعين ألفا، وهم أوّل جند اتّبعوه.
وقال الثعلبىّ رحمه الله: إنّ الإسكندر جنّد المساكين بما حصل لهم من قراضة الذهب، وكانوا أربعين ألفا، جعلهم أربعة أجناد، فى كل جند عشرة آلاف.
قال: ثم عرض جنده فوجدهم فيما قيل ألف ألف وأربعمائة ألف رجل غير المساكين، وهم أربعون ألفا؛ ثم انطلق يؤمّ الأمّة التى عند مغرب الشمس، فسار لا يمرّ بأمّة إلّا دعاهم إلى الله تعالى، فإن أجابوه قبل ذلك منهم، وإن أبوا عليه غشيتهم الظّلمة فلبست مدائنهم ومنازلهم وأعشت أبصارهم، فيتحيّروا حتى يجيبوه، أو يأخذهم عنوة. ولم يزل كذلك حتى بلغ مغرب الشمس. قال الله تعالى:
أى ذات حمأة، ومن قرأ حامية فمعناه حارّة وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً
الآيات إلى قوله: يُسْراً
. قال الثعلبىّ: فوجد جمعا وعددا لا يحصيه إلا الله تعالى، وقوّة وبأسا لا يطيقه إلا الله تعالى، ورأى ألسنا مختلفة وأهواء متشتّتة، وهذه الأمّة هى ناسك. فلمّا رأى ذلك كاثرهم بالظّلمة فضرب حولهم ثلاث عساكر فأحاط بهم من كل مكان حتى جمعهم فى مكان واحد، ثم أخذ عليهم بالنور فدعاهم إلى الله تعالى وعبادته، فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه،