فعمد إلى الذين تولّوا عنه فأدخلهم الظّلمة، فدخلت فى أفواههم وأنوفهم وآذانهم وأجوافهم، ودخلت فى بيوتهم وغشيتهم من فوقهم ومن تحتهم ومن كل جانب، فصاحوا وتحيّروا وأشفقوا من الهلكة، فعجّوا إليه بصوت واحد، فكشفها عنهم وأخذهم عنوة فدخلوا فى دعوته، فجنّد منهم أمما عظيمة وجعلهم جندا واحدا، ثم انطلق بهم يقودهم والظّلمة تسوقهم من خلفهم وتحرسهم والنور أمامهم، وسار يريد الأمّة التى فى قطر الأرض التى يقال لها هاويل، فكان إذا انتهى إلى بحر أو نهر بنى سفنا من ألواح صغار أمثال النعال ونظمها فى ساعة، ثم حمل فيها جميع من معه من تلك الأمم والجنود، فإذا قطع ذلك البحر أو النهر فتقها ثم دفع إلى كل رجل منهم لوحا فلا يكرثه حمله، فلم يزل ذلك دأبه حتى انتهى إلى هاويل ففعل بهم كما فعل بالأمة التى قبلها. قال: ولما فرغ منها مضى حتى انتهى إلى منسك وهى الأمة التى عند مطلع الشمس. قال الله تعالى: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً* حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً* كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً «١» .
قال: وقوله تعالى: لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً
وذلك أنهم كانوا فى مكان لا يستقرّ عليه بناء، وكانوا يكونون فى أسراب «٢» لهم، حتى إذا زالت الشمس خرجوا الى معايشهم وحروثهم. وقال الحسن «٣» : كانت أرضهم أرضا لا تحتمل البناء، فكانوا إذا طلعت الشمس عليهم تهوّروا فى الماء، فإذا ارتفعت عنهم خرجوا فتراعوا كما ترعى البهائم. وقال الكلبىّ: هم أمّة يقال لها منسك عراة حفاة عماة عن الحقّ.
قال: وحدّثنى عمرو بن مالك بن أميّة قال: وجدت رجلا بسمرقند يحدّث الناس