الظلام رجع الجيش حتى وافى باب المدينة، وأمر أصحابه أن يضعوا السيف فى الناس فقتلوا خلقا كثيرا، ثم أمر أن ينادى: هذا جزاء من أقدم على الملوك من رعاياهم وأصحاب منهم، وأخرب الموضع الذى ضرب فيه الغلام، فاستغاث به الناس، فتقدّم إلى وزيره أن يطرح نفسه بين يديه ويسأله فيهم، ففعل وأمّنهم وقال: من عاد إلى مثل ما كان فقد حلّ لنا دمه، فدعوا له وانصرفوا. ثم احتجب عن الناس واستخف بالكهنة والهياكل فأبغضته العامّة والخاصّة وبغوا الغوائل فاحتال عليه خاصّته بطبّاخه وساقيه فسمّاه وهو ابن مائة وعشرين سنة فمات.
وصار الملك من بعده إلى ابنه صابن أنساد بن مرقونس؛ قال: وأكثر القبط تزعم أن صابن مرقونس أخو أنساد. فملك وهنأه الناس، فوعدهم بالعدل فيهم، والإحسان إليهم، وحسن النظر لهم، وسكن منف وحكم الأحياز كلها، وعمل بها عجائب وطلّسمات، وردّ الكهنة إلى مراتبهم، ونفى الملهين وأهل الشرّ ممن كان يصحب أخاه، ونصب العقاب الذى كان أبوه عمله، وشرف هيكله ودعا إليه. وعمل فى منف مرآة كان يرى منها ما يخصب من بلده وما يجدب.
وبنى بداخل الواحات مدينة غرس حولها نخلا كثيرا. ونصب قرب البحر أعلاما كثيرة. وعمل خلف المقطّم صنما يقال له صنم الحيلة، فكان كل من تعذّر عليه أمر يأتيه فيبخّره فيتيسّر عليه ذلك الأمر «١» . وجعل على أطراف مصر أصحاب أخبار يرفعون إليه ما يجرى فى حدودهم. وعمل على غربى النيل منائر يوقد عليها إذا قصدهم قاصد أو نابهم أمر. ويقال: إنه بنى أكثر منف وكل بنيان عظيم بالإسكندرية.
قال: وكان لمّا ملك البلد بأسره جمع الحكماء إليه ونظر فى النجوم- وكان بها حاذقا- فرأى أن بلده لا بدّ أن تغرق بالطوفان من نيلها، ورأى أنها تخرب على