فلما تقدّم أنداخس بالجيوش أمرت السّحرة أن يعملوا له عملا، وكان على جيوشهم قائد من عظماء قوّاد ملكهم يقال له جيرون؛ فلما نزلوا أرض مصر بعثت ظئرا لها من عقلاء النساء إلى جيرون سرّا من أنداخس تعرّفه رغبتها فى تزويجه، لأنها لا تختار أحدا من أهل بيتها، وأنه إن قتل أنداخس تزوّجت به وسلمت إليه ملك مصر ومنعت منه صاحبه. فرغب فى ذلك وسمّ أنداخس بسمّ أنفذته إليه فقتله؛ فوجهت إليه أنه لا يجوز أن أتزوّجك حتى تظهر فى بلدى قوّتك وحكمتك وتبنى لى مدينة عجيبة- وكان افتخارهم حينئذ بالبنيان وإقامة الأعلام وعمل العجائب- وقالت له: انتقل من موضعك هذا إلى غربىّ بلدى فثمّ آثار لنا كثيرة فاقتف تلك الأعمال الغريبة وابن عليها. ففعل ذلك وبنى لها مدينة بصحراء الغرب يقال لها تندومة «١» ، وجرّ إليها من النيل نهرا وغرس عليها غروسا كثيرة، وأقام بها منارا عاليا، وعمل فوقه منظرا وصفّحه بالذهب والفضة والصّفر والرخام الملوّن والزجاج المسبوك وأبدع فى عمله. وكانت تمدّه بالأموال وتكاتب صاحبه عنه وتهاديه وهو لا يعلم.
فلما فرغ من بناء المدينة قالت له: إن لنا مدينة حصينة كانت لأوائلنا وقد خربت منها أمكنة [وتشعّث حصنها «٢» ] فامض إليها واعمل فى إصلاحها إلى أن أنتقل إلى هذه المدينة التى بنيتها وأنقل إليها جميع ما يحتاج إليه، فإذا فرغت من إصلاح تلك المدينة فأنفذ إلىّ جيشا حتى أصير إليك وأنظر ما صنعته، وأبعد عن مدينتى وأهل بيتى فإنى أكره أن آتيك بالقرب منهم. فمضى وجدّ فى عمل الإسكندرية الثالثة.
قال: وأهل التاريخ يسوقون شيئا من أخبار أنداخس ويذكرون أنه الذى قصد الوليد بن دومع العمليقى، وهو ثانى الفراعنة. وكان سبب قصده له أنه كانت به علّة فوجّه إلى المواضع ليحمل إليه من مياهها حتى يعرف ما يلائم جسده، فوجّه