إلى خارج المدينة؛ وساق الماء إلى ناحية الباب الشرقى ينحدر فى صبب إلى الباب الغربى ويخرج إلى صهاريج هناك، وكذلك من الباب الجنوبى إلى الشمالى، وقرّب لتلك العقبان عقبانا ذكورا، واجتذب الرياح إلى أفواه التماثيل، فكانت الرياح إذا دخلتها سمعت لها أصوات شديدة لا يسمعها أحد إلا هالته، وصمّدها «١» بعفاريت تمنع الداخل إليها إلا أن يكون من أهلها، ونصب العقاب الذى كان يعبده تحت القبة التى فى وسط المدينة على قاعدة لها أربعة أركان فى كل ركن منها وجه شيطان، وجعلها على عمود يديرها، والعقاب يدور إلى كل الجهات الأربع، ويقيم فيها ربع السنة، يقرب إليه من جهتها.
فلما فرغ من ذلك كله حمل إليها جميع الأموال والجواهر المخزونة بمصر وما وجده فى خزائن الملوك، ومن التماثيل والحكم وتراب الصنعة والعقاقير والسلاح وغير ذلك، وحوّل إليها كبار السحرة والكهنة وأصحاب الصنائع والتجار، وقسم المساكن بينهم لا يختلط أهل صنعة بغيرها، وعمل لها ربضا «٢» يحيط بها، وبنى فيه منازل لأصحاب المهن والزراعة، وعقد على تلك الأنهار قناطر يمرّ عليها الداخل إلى المدينة، وجعل الماء يدور حول الرّبض؛ ونصب عليها أعلاما وحرسا؛ ثم غرس وراء ذلك بالبرية النخل والكروم وأصناف الأشجار، ومن وراء ذلك مزارع الغلات من كل جهة، وكان يرتفع له بها فى كل سنة ما يكفيه لعشر سنين، كل ذلك خوفا من الوليد.
قال: وبين هذه المدينة وبين منف ثلاثة أيام؛ فكان عون يخرج إليها فيقيم بها عشرة أيام ثم يعود إلى منف، وكان لها أربعة أعياد فى السنة؛ وهى الأوقات التى يتحوّل العقاب فيها. فلما تمّ ذلك كله لعون اطمأنّ قلبه، وسكنت نفسه.