للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موضعهم فقال: موضع لا يصل إليه احد ولا بلغه قبلك أحد. قال: فما عيشكم؟ قال:

من أصول نبات لنا نعتصم به ونقنع بأكله ويكفينا اليسير. قال: فمن أين تشربون؟

قال: من نقار الماء من الأمطار. قال: فلم هربتم منا؟ قال: رغبة عن خلطتكم وإلا فليس لنا ما نخاف عليه. قال: فكيف تكونون إذا حميت عليكم الشمس؟

قال: فى غيران تحت هذه الجبال. قال: فهل تحتاجون إلى مال أخلفه لكم؟ قال:

إنما يريد المال أهل البذخ ونحن لا نستعمل منه شيئا، استغنينا عنه بما قد اكتفينا به، وعندنا منه ما لو رأيته لحقّرت ما عندك. قال: فأرنيه، فانطلق به مع نفر من أصحابه إلى أرض فى سفح جبلهم فيها قضبان الذهب نابتة، وأراهم واديا حافتاه حجارة الزبرجد والفيروذج، فأمر الرّيان أصحابه أن يأخذوا من كبار تلك الحجارة ففعلوا؛ ورآهم الحكيم يصلّون إلى صنم يحملونه معهم، فسألهم ألا يقيموا بأرضهم خوفا من عبادة الأصنام؛ فسأله الملك أن يدله على الطريق ففعل، وودّع الحكيم وسار على السمت الذى وصفه له. فلم يمر بأمة إلا أبادها وأثر فيها إلى أن بلغ بلد النوبة، فصالح أهلها على مال يحملونه إليه، ثم أتى دنقلة فأقام بها علما وزبر عليه اسمه ومسيره. ومرّ يريد منف؛ فكان أهل كل مدينة من مدائن مصر يتلقّونه بالفرح والسرور والطيب والرياحين والملاهى إلى أن بلغ منف، فلم يبق أحد من أهلها إلا خرج إليه مع العزيز وتلقّوه بأصناف الطيب والبخورات والرياحين.

وكان العزيز قد بنى له مجلسا من الزجاج الملوّن وفرشه بأحسن الفرش المذهبة، وغرس حوله جميع الأشجار والرياحين، وجعل فيه صهريجا من زجاج سمائى، وجعل فى أرضه شبه السمك من زجاج أبيض وأنزله فيه، وأقام الناس يأكلون ويشربون أياما كثيرة. وأمر بعرض جيشه فوجد أنه قد فقد منهم سبعون ألفا، وكان قد خرج فى ألف ألف، ووجد من انضاف إليه من الغرباء والمأسورين نيّفا