ولما مات ملك بعده أخوه جمشيد «١» ، وتفسير شيد: الشعاع، سمى بذلك لوضاءة وجهه. قال: ولما ملك سلك سيرة من تقدّم وزاد عليها بأن صنّف الناس وطبّقهم ورتّب منازل الكتّاب وأمر لكل واحد وظيفة وأمره أن يلزمها.
وعمل أربعة خواتيم: خاتما للحرب والشّرط «٢» وكتب عليه الأناة، وخاتما للخراج وجباية الأموال وكتب عليه العمارة، وخاتما للبريد وكتب عليه الوحا، وخاتما للمظالم وكتب عليه العدل. فبقيت هذه الرسوم فى ملوك الفرس الى أن جاء الإسلام.
وكان ملكه ستمائة سنة. وقيل سبعمائة سنة وستة أشهر. وقيل ألف سنة إلا عشر سنين. وفى أيامه أحدث النيروز «٣» وجعله عيدا، وأمر الناس أن يتنعموا فيه. ثم بدّل سيرته بالجور بعد الإنصاف، والظلم بعد العدل، والإساءة بعد الإحسان، فثقلت وطأته على الناس. ثم أظهر الكبر على وزرائه وكتّابه وقوّاده.
ثم انهمك على لذّاته وترك مراعاة كثير من السياسة الملوكية التى جرت عادة الملك أن يتولّاها بنفسه. وقيل: إنه ادّعى الإلهية فخرج عليه بيوراسب، وكان من جملة عمّاله، واستجلب الناس وجمعهم عليه واستصلحهم لنفسه، وقصد جمشيد بعد أن كثرت أتباعه وقويت شوكته، فهرب منه فاتبعه حتى أدركه وظفر به ونشره بمنشار.
وملك بعد جمشيد بيوراسب؛ وهو الذى يسمّيه العرب الضحّاك. قالوا:
وهو بيوراسب «٤» بن أرونداسف بن بغاداس بن طوخ بن قروال بن ساعل بن فرس ابن كيومرث، وهو الدّهّاك، فعرّب اسمه فقيل الضحّاك. وقيل: إنه ملك ألف سنة. وزعم قوم أنه نمروذ. وزعم قوم آخرون أنه كان من عمّال بيوراسب على كثير من أعماله.