ثم ملك بعده ابنه هرمز بن نرسى. قال: وكان فظا إلا أنه كان يرفق بالرعية، وكان حسن السيرة فيهم. وكان ملكه سبع سنين وخمسة أشهر.
ثم ملك بعده ابنه سابور بن هرمز؛ وهو الملقب بذى الأكتاف. وكان هرمز قد تركه حملا فى بطن أمه، فعقدوا التاج على بطنها، وقام الوزراء بتدبير الأمر مدّة حملها، وفى مدّة رضاع سابور وطفولته وصغره حتى كبر؛ فكتب إليه الناس الكتب من الآفاق وأجابهم، ووجه البريد إلى الآفاق والأطراف، ورتّب الوزراء والكتاب وقرّر العمال.
قال: وكان قد شاع فى الممالك أن ملك الفرس صغير السنّ، وأنه يتدبّر برأى وزرائه، ولا يدرى ما يراد منه، ولا ما يكون من الأمر، فطمع فى مملكة الفرس الترك والروم والعرب. وكانت أدنى بلاد الأعداء إلى الفرس بلاد العرب. وكانت العرب من أحوج الأمم إلى تناول شىء من المعايش لسوء حالهم وشظف عيشهم، فانبسطت أيديهم فى البلاد وغلبوا أهلها عليها واتسعت حالهم وكثرت مواشيهم، وأفسدوا فى بلاد فارس، ومكثوا كذلك حينا، وقد أمنوا جانب الفرس واطمأنّوا من قتالهم لقلة هيبتهم. وكان الذى غلب على سواد العراق من العرب جمرة العرب ولد إياد بن نزار. وكان يقال لها طبق لإطباقها على البلاد، وملكها يومئذ الحارث بن الأغر الإيادى. قال: ولما ترعرع سابور جعل الوزراء يعرضون عليه أمر الجنود الذين فى الثغور، وأن الأخبار وردت عليهم أن أكثرهم قد أخلّ، وعظّموا عليه الأمر وهوّلوه، فقال لهم: لا يهولنّكم ذلك، فالخطب فيه غير جسيم، والحيلة فى ذلك يسيرة. وأمر الكتّاب أن يكتبوا الى أولئك الجنود أنه قد انتهى إلىّ طول مكثكم فى النواحى التى أنتم فيها، وعظم عنائكم وذبّكم عن إخوانكم وأوليائكم، فمن أحب منكم الانصراف الى أهله فلينصرف مأذونا له فى ذلك،