فعدل الفرس عنه لسوء أثر يزدجرد فيهم وملّكوا عليهم كسرى، وهو رجل من عترة ساسان، فاستعان بهرام جور بالعرب وأرسل الى الفرس وأعلمهم إنكاره سيرة أبيه، ووعدهم بإصلاح ما فسد، وأنه إن مضى لملكه سنة ولم يف لهم بما بذل تبّرأ من الملك طائعا، فمال اليه قوم وبقيت طائفة مع كسرى، فتراضوا أن يوضع تاج الملك بين أسدين مشبلين فمن تناوله فهو الملك. وكان بهرام جور شجاعا بطلا، فلما وقف هو وكسرى الى جانب الأسدين هابهما كسرى، فوثب بهرام جور فإذا هو على ظهر الأسد وعصر جنبيه بفخذيه، فلما تمكّن منه قبض على أذنيه، ولم يزل يضرب رأس الأسد برأس الآخر حتى قتلهما. فكان كسرى أوّل من هتف به وأذعن له.
فملك بهرام جور بن يزدجرد؛ فأحسن السيرة، وجلس سبعة أيام متوالية للجند والرعيّة، يعدهم الخير من نفسه ويحضّهم على تقوى الله وطاعته. وكان جلوسه على سرير الملك وهو ابن عشرين سنة، فغبر زمانا وهو يحسن السيرة، ويعمر البلاد، ويدرّ الأرزاق، ثم آثر اللهو على ذلك وكثرت خلواته بأصحاب الملاهى حتى كثرت عليه الملامة من أرباب دولته، وطمع من حوله من الملوك فى استباحة بلاده والغلبة على ملكه. وكان أوّل من سبق الى مغالبته ومكاثرته خاقان ملك الترك، وغزاه فى مائتى ألف وخمسين ألفا من الأتراك، فبلغ الفرس إقبال الترك فى هذه الجموع العظيمة فهالهم ذلك، ودخل على بهرام جور جماعة من عظماء الفرس وأهل الرأى والنجدة وقالوا: أيها الملك، قد أرهقك من بائقة «١» عدوّك ما يشغلك عما أنت فيه من اللهو والتلذذ، فتأهّب له لئلا يلحقك منه أمر يلزمك فيه مسبّة وعار. وكان بهرام لثقته بنفسه ورأيه يجيب القوم بأن يقول: الله ربنا قوىّ ونحن أولياؤه. ثم يقبل على ما هو عليه من اللهو والصيد.