بلغ أخشنوار ملك الهياطلة خبره خافه واشتدّ رعبه منه، وعلم أنه لا طاقة له به، وأن جيشه يضعف عن مقابلة الجيوش التى أقبل بها فيروز فحار فى أمره؛ فتقدّم اليه رجل كبير السنّ من أهل بلاده وقال: أنا أفدى الملك وأهل مملكته بنفسى، فليأمر الملك بقطع يدىّ ورجلىّ ويؤثر فى جسدى آثار العقوبة بضرب السياط، ويلقنى فى الطريق التى يمرّ فيروز بها، ويحسن إلى ولدى وعيالى الذين أخلفهم؛ ففعل به ذلك وأمر بإلقائه فى الطريق. فلما مرّ به فيروز أنكر حاله، فأخبره أن أخشنوار فعل به ذلك؛ لأنه أشار عليه بالانقياد إلى طاعة فيروز والإقرار بعبوديته، وأن يحمل إليه من الأموال والتحف ما يرضيه؛ فرقّ له الملك فيروز ورحمه وأمر بحمله معه، فنهاه أكابر قومه عن تقريبه فلم يرجع إليهم، ثم قال له ذلك الأقطع كالمتنصّح «١» له: أنا أدلّ الملك على طريق مختصر تدخل منه فى مفازة إلى بلاد أخشنوار، فتصادف غرّته؛ وسأله أن يشتفى له منه. فاغترّ فيروز بذلك؛ وأخذ الأقطع بفيروز ومن معه وعدل بهم عن الطريق الجادّة وشرع يقطع بهم مفازة بعد مفازة. فلما شكوا العطش منّاهم بقرب الماء وقطع المفازة. ولم يزل يتقدّم بهم حتى بلغ بهم موضعا علم أنهم لا يقدرون فيه على التقدّم ولا الرجوع، فتبين لهم أمره، فعندها سقط فى أيدى القوم وقالوا لفيروز: ألم ننهك عن هذا الرجل فلم تنته؟ فهلك أكثر أصحابه من العطش، ومضى على وجهه بمن نجا معه؛ فوافى أخشنوار وقومه؛ وهو ومن نجا معه على أسوإ حال، وقد أجهدهم العطش، فدعوا أخشنوار إلى الصلح على أن يخلى سبيلهم وينصرفوا إلى بلادهم، وعاهدوه على ألا يغزوهم أبدا، فرضى أخشنوار بذلك وحصل اتفاقهما على أن يجعلا بينهما حدّا لا يتجاوزه واحد منهما، ووضع عند الحدّ حجر، وحلفّه أخشنوار أنه لا يتجاوز ذلك الحجر،