فخلف له وأخذ عليه العهود والمواثيق وأطلقه أخشنوار، فعاد فيروز إلى بلاده.
فلما سار إلى مملكته داخلته الحميّة وحملته الأنفة على محاربة أخشنوار والغدر به، فنهاه أهل مملكته عن ذلك وقبّحوا عليه نقض العهود والمواثيق، فلم يرجع الى أقوالهم وأبى إلا غزوه. وسار بجيوشه حتى أتى الحدّ الذى بينهما والحجر الذى حلف أنه لا يتجاوزه الى بلاد الهياطلة، فأمر فيروز بالحجر أن يصمد فيه خمسون فيلا وثلاثمائة رجل، فجره أمامه وأمر العسكر ألا يتجاوز ذلك الحجر ولا يتقدّم الفيلة، وزعم أنه يكون قد وفى بيمينه ولم يتجاوز ما عاهد عليه. فلما بلغ أخشنوار ذلك أرسل اليه يقول: إن الله عز وجل لا يخادع ولا يماكر، ونهاه عن الغدر وقبّحه عليه، وهو لا يكترث بقوله، وأحجم أخشنوار عن محاربة فيروز وكرهها، ثم أعمل الفكرة وأخذ يفكر فى وجوه المكايد والمكر والخداع، فخفر حول عسكره خندقا عرضه عشرة أذرع، وعمقه عشرون ذراعا، وغطاه بخشب ضعيف وألقى عليه التراب، ثم ارتحل بمن معه ومضى غير بعيد، فبلغ فيروز رحيل أخشنوار بجنده من معسكره، فما شك أنه انهزم منه، فركب فى طلبه وأغذّ السير بجنوده- وكان مسلكهم على الخندق- فلما مروا عليه تردّى فيروز وعامة جنوده فيه فهلكوا عن آخرهم وعطف عليهم أخشنوار واحتوى على كل شىء كان فى معسكر فيروز، وأسر موبذان موبذ وجماعة من نساء فيروز منهنّ دخت ابنة فيروز، فكان هذا عاقبة مكره. وكان ملكه سبعا وعشرين سنة.
ولما هلك تنازع الملك بعده ابناه قباذ وبلاش؛ فملك بلاش بن فيروز ابن يزدجرد. وكان حسن السيرة حريصا على العمارة؛ وبلغ من حسن نظره أنه كان لا يبلغه أن بيتا خرب وجلا عنه أهله إلا عاقب صاحب القرية التى فيها ذلك