أن الذين أعدينا «١» عليهم من خاصّتنا يرجعون من نعمتنا وكرامتنا الى ما لا يرجع اليه أولئك. ولعمرى إن خواصّنا الينا، وآثر خدمنا فى أنفسنا الذين يحفظون سيرتنا فى الرعية، ويرحمون أهل الفاقة والمسكنة وينصفونهم؛ فإنه قد ظلمنا من ظلمهم، وجار علينا من جار عليهم، وأراد تعطيل ذمتنا التى هى حرزهم وملجأهم.
قال: ثم كتب الينا على رأس سبع وثلاثين سنة من ملكنا، أربعة أصناف من الترك من ناحية الخزر، ولكل صنف منهم ملك، يذكرون ما دخل عليهم من الحاجة، وما لهم من الحظ فى عبوديتنا، وسألوا أن نأذن لهم فى القدوم بأصحابهم لخدمتنا، والعمل لما نأمرهم به، وألا نحقد عليهم ما سلف منهم قبل ملكنا، وأن ننزلهم منزلة سائر عبيدنا، فإنا سنرى فى كل ما نأمرهم به من قتال وغيره كأفضل ما نرى من أهل نصيحتنا، فرأيت فى قبولى إياهم عدة منافع، منها: جلدهم وبأسهم، ومنها: أنى تخوّفت أن تحملهم الحاجة على إتيان قيصر أو بعض الملوك فيقووا بهم علينا، وقد كان فيما سلف يستأجر منهم قيصر لقتال ملوك ناحيتنا بأغلى الأجرة.
وكان لهم فى ذلك القتال بعض الشوكة بسبب أولئك الأتراك؛ لأن الترك ليس عندهم لذة للحياة، فهو الذى يجرئهم مع شقاء معايشهم على الموت؛ فكتبت اليهم إنّا نقبل من دخل فى طاعتنا، ولا نبخل على أحد بما عندنا، وكتبت الى مرزبان «٢» الباب آمره بأن يدخلهم أوّلا أوّلا، فكتب إلىّ إنه قد أتاه منهم خمسون ألفا بنسائهم وأولادهم وعيالهم. ولما بلغنى ذلك أحببت أن أقرّبهم الىّ ليعرفوا إحسانى إليهم، وأعظّمهم ليطمئنّوا الى قوّادنا، حتى إذا أردنا تسريحهم مع بعض قوّادنا كان كل واحد بصاحبه واثقا، فشخصنا الى أذربيجان، فلما نزلتها أذنت