للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كثيرة والشكر قليلا انقطع الحمل وهلك ظهر الحامل، وإذا كان ذلك مستويا استمرّ الحامل. وكثير النعم يحتاج صاحبها الى كثير الشكر، وكثير الشكر يجلب كثير النعم. ولما وجدت الشكر بعضه بالقول، وبعضه بالعمل، ونظرت فى أحبّ الأعمال الى الله وجدته الشىء الذى أقام به السموات والأرض، وأرسى به الجبال، وأجرى به الأنهار وبرأ به البريّة. وذلك الحقّ والعدل فلزمتهما. ورأيت ثمرة الحقّ والعدل عمارة البلدان التى بها معايش الناس والدوابّ والطير وسكان الأرض.

ولما نظرت فى ذلك وجدت المقاتلة أجراء أهل العمارة، ووجدت أهل العمارة أجراء المقاتلة، فإنهم يطلبون أجورهم من أهل الخراج وسكان البلدان المدافعتهم عنهم، ومجاهدتهم من ورائهم، فحقّ على أهل العمارة أن وفّوهم أجورهم؛ فإن عمارتهم تتمّ بهم، وإن أبطأوا عليهم بذلك أو هنوهم فقوى عدوّهم؛ فرأيت من الحق على أهل الخراج ألا يكون لهم من عمارتهم إلا ما أقام معايشهم، وعمروا به بلدانهم، ورأيت ألا أجتاحهم وأستفرغ ذات أيديهم للخزائن والمقاتلة، فإنى إذا فعلت ذلك ظلمت المقاتلة مع ظلم أهل الخراج؛ وذلك أنه إذا فسد «١» العامر فسد المعمور، وكذلك أهل الأرض والأرض، فإنه إذا لم يكن لأهل الخراج ما يعيشهم ويعمرون به بلادهم هلكت المقاتلة الذين قوّتهم بعمارة الأرض؛ فلا عمارة للأرض إلا بفضل ما فى يد أهل الخراج؛ فمن الإحسان الى المقاتلة والإكرام لهم أن أرفق بأهل الخراج وأعمر بلادهم، وأدع لهم فضلا فى معايشهم؛ فأهل الأرض وذوو الخراج أيدى المقاتلة والجند وقوتهم، والمقاتلة أيضا أيدى أهل الخراج وقوتهم.

ولقد ميزت ذلك بجهدى وطاقتى، وفكرت فيه فما رأيت أن أفضّل هؤلاء على هؤلاء إذ وجدتهما كاليدين المتعاونتين والرجلين المترادفتين.