للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولعمرى ما أعفى أهل الخراج من الظلم من أضرّ بالمقاتلة، ولا كفّ الظلم عن المقاتلة من تعدّى على أهل الخراج. ولولا سفهاء الأساورة لأبقوا على أهل الخراج والبلاد إبقاء الرجل على ضيعته التى منها معيشته وحياته وقوّته، ولولا جهّال أهل الخراج لكفّوا عن أنفسهم بعض ما يحتاجون إليه من المعايش إيثار للمقاتلة على أنفسهم.

قال: ولما فرغنا من إصلاح العامة والخاصة بهذين الركنين من أهل الخراج والمقاتلة كان ذلك ثمرة العدل والحقّ الذى دبّر الله العظيم خلائقه به، وشكرت الله على نعمته والمقاتلة فى أداء حقه على مواهبه، وأحكمنا أمر المقاتلة وأهل الخراج ببسط العدل، وأقبلنا بعد ذلك على السّير والسّنن، ثم بدأنا بالأعظم فالأعظم من أمورنا، والأكبر فالأكبر عائدا على جندنا ورعيتنا، ونظرنا فى سير آبائنا من لدن بستاسف الى ملك قباذ أقرب آبائنا. ثم لم نترك إصلاحا فى شىء من ذلك إلا أخذناه، ولا فساد إلا أعرضنا عنه، ولم يدعنا حبّ الآباء إلى قبول ما لا خير فيه من السنن، ولكنّا آثرنا حبّ الله وشكره وطاعته.

ولما فرغنا من النظر فى سير آبائنا وبدأنا بهم، وكانوا أحقّ بذلك، فلم ندع خقا إلا آثرناه، ووجدنا الحق أقرب القرابة. نظرنا فى سير أهل الروم والهند فاصطفينا محمودها، وجعلنا عيار «١» ذلك عقولنا، وميزانه بأحلامنا، فأخذنا من جميع ذلك ما زيّن سلطاننا، وجعلناه سنة وعادة، ولم تنازعنا أنفسنا الى ما تميل به أهواؤنا، وأعلمناهم ذلك وأخبرناهم به، وكتبنا إليهم بما كرهنا لهم من السير ونهيناهم عنه وتقدّمنا إليهم فيه؛ غير أنا لم نكره أحدا على غير دينه وملّته، ونحسدهم ما قبلنا، ولا منع ذلك انقباض بعلم ما عندهم، فإن الإقرار بمعرفة الحقّ