وكتب اليه الإسكندر يعلمه أنه شاهد بإيران شهر «١» رجالا ذوى أصالة فى الرأى، وجمال فى الوجوه، ولهم مع ذلك صرامة وشجاعة، وأنه رأى لهم هيئات وخلفا لو كان عرف حقيقتها لما غزاهم، وأنه إنما ملكهم بحسن الاتفاق والبخت، وأنه لا يأمن إذا ظعن عنهم وثوبهم ولا تسكن نفسه إلّا ببوارهم.
فكتب إليه أرسطاطاليس: فهمت كتابك فى رجال فارس؛ فأما قتلهم فهو من الفساد فى الأرض، ولو قتلتهم لأنبتت أرض فارس أمثالهم، لأنّ إقليم بابل يولد أمثال هؤلاء الرجال من أهل العقل، والسداد فى الرأى، والاعتدال فى التركيب؛ فصاروا أعداءك وأعداء عقبك بالطبع، لأنك تكون قد وترت القوم وكثّرت الأحقاد على أرض الروم منهم وممّن بعدهم، وإخراجك إيّاهم فى عسكرك مخاطرة بنفسك وأصحابك، ولكنّى أشير عليك برأى هو أبلغ لك فى كل ما تريد من القتل وغيره، وهو أن تستدعى أولاد الملوك منهم وممّن يستصلح للملك ويترشّح له، فتقلّدهم البلدان وتولّيهم الولايات ليصير كلّ واحد منهم ملكا برأسه، فتتفرّق كلمتهم، ويجتمعوا على الطاعة لك، ولا يؤدّى بعضهم إلى بعض طاعة، ولا يتفقوا على أمر واحد، ولا تجتمع كلمتهم. ففعل الإسكندر ذلك، فتمّ أمره وأمكنه أن يتجاوز أرض فارس إلى أرض الهند حتى قتل ملكها مبارزة بعد حروب عظيمة.
ثم صار إلى أرض الصّين وطاف مما يلى القطب الشمالىّ ورجع إلى العراق فمات فى طريقه بشهر زور «٢» ، ويقال: بل فى قرية من قرى بابل. وكان عمره ستّا وثلاثين