المباحث فى العلوم الفلسفيّة، فأعجبه ذلك وتأمّل أغراض القوم ومقاصدهم، وأقبل ينظر فى مطاردة الهند يعلّلها فى معلولاتها، وما يصفه اليونانيون أيضا من عللها فى معلولاتها على حسب ما قدّمت من أوضاعها، ثم أراد محنة الفيلسوف على حسب ما خبّر عنه، فأجال فكره فيما يختبره به، فدعا بقدح فملاه سمنا ولم يجعل للزيادة عليه موضعا، ودفعه لرسول وقال: احمل هذا إلى الفيلسوف ولا تكلّمه بشىء، فلمّا دفعه اليه دعا الفيلسوف بألف إبرة فغرزها فى السمن وصرفه اليه، فأمر الإسكندر بضرب تلك الإبر كرة متساوية الأجزاء وردّها اليه، فأمر الفيلسوف ببسطها وجلائها حتى صارت جسما تردّ صورة مقابليها لصفائها وردّها إلى الإسكندر، فدعا بطست وجعل تلك المرآة فيه وصبّ عليها الماء حتى غمرها وردّها اليه، فأخذها الفيلسوف وعمل منها طرجهارة «١» طافية على الماء وصرفها اليه، فملأها الإسكندر ترابا وردّها اليه، فلمّا نظر الفيلسوف إلى التراب تغيّر لونه وبكى ثم ردّها إلى الإسكندر ولم يضع فيها شيئا.
فلمّا كان فى اليوم الثانى جلس الإسكندر جلوسا خاصّا ودعا بالفيلسوف، ولم يكن رآه قبل ذلك اليوم، فلمّا أقبل نظر الإسكندر [من الفيلسوف «٢» ] إلى رجل طويل الجسم رحب الجبين معتدل البنية فقال فى نفسه: هذه بنية تضادّ الحكمة، فإذا اجتمع له حسن الصورة والفهم كان أوحد زمانه، فأدار الفيلسوف إصبعه حول وجهه ثم وضعه على أرنبة أنفه وأسرع نحو الإسكندر وحيّاه بتحية الملك، فأشار اليه بالجلوس وقال: لم أدرت إصبعك حول وجهك ووضعتها على أرنبة