أن تقول قدرت أن تفعل فاحترز من أن تقول تأمن أن تفعل، فالملك السعيد من ملك الرعيّة بالرغبة والرهبة، وأشبه الأشياء من أفعال الناس بأفعال بارئهم الإحسان، فخيّره الإسكندر فى المقام معه، أو الانصراف إلى بلاده، فاختار الرجوع إلى موضعه.
وأمّا القدح فملأه ماء ثم أورد عليه الناس فلم ينقص شربهم منه شيئا، فيقال إنه كان معمولا من خواصّ الهند الروحانيّة مما تدّعيه الهند، ويقال إنه كان لآدم أبى البشر عليه السلام، مبارك له فيه حين كان بأرض سرنديب، فورث عنه إلى أن انتهى إلى هذا الملك الهندىّ.
وأما الطبيب فإنه كان له معه منظرات دلّت على ثبوت قدمه فى علمه، وأنه كما وصف صاحبه أوكاد. هذا خبره مع ملك الهند.
وأما خبره مع ملك الصين؛ قال ابو على أحمد بن محمد بن مسكويه فى كتابه المترجم بتجارب الأمم: وفى الرواية الصحيحة أن الإسكندر لمّا انتهى إلى بلاد الصين أتاه حاجبه وقد مضى من الليل شطره فقال: هذا رسول ملك الصين بالباب يستأذن فى الدخول عليك، قال: أدخله، فأدخله فوقف بين يدى الإسكندر وسلّم ثم قال: إن رأى الملك أن يستخلينى فعل، فأمر الإسكندر من بحضرته أن ينصرفوا، فانصرفوا كلّهم عنه وبقى حاجبه فقال: إنّ الذى جئت له لا يحتمل أن يسمعه غيرك، فأمر الإسكندر أن يفتّش ففتّش، فلم يجد معه سلاحا، فوضع بين يديه سيفا مسلولا وقال له: قف مكانك وقل ما شئت، وأخرج الحاجب ومن كان قد بقى عنده، فلمّا خلا المجلس قال له: أنا ملك الصين لا رسوله، جئت لأسألك عما تريد، فإن كان ممّا يمكن عمله ولو على أصعب الوجوه عملته