للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: قد قلت قولا عظيما ووصفت أمرا عجيبا، وما نحسبك إلّا قد أصبت فيه الرأى والنظر، وقد صدّقناك وتابعناك ورأينا رأيك وواقع قلوبنا منه ومن معرفته مثل الذى عرفت وواقع قلبك، وإن كنّا لنرى مثل الذى رأيت من أعاجيب هذا الخلق وعظمة هذا الخالق، وإن كان ليكثر أن يخطر على قلوبنا منه مثل ما خطر على قلبك، ولكنّا لم نشرح منه ما شرحت ولم نصف منه ما وصفت، ولم نعمل الرأى والنظر فى معرفته مثل ما أعملت وعرفت، ولكنّ الله أراد هداك وتفضيلك وإكرامك بما سبقت إليه من هذا القول وهذا العلم وهذه المعرفة، ولكن حدّثنا عمّا نسألك عنه، وإنما نظرنا فيه بعد ما سمعنا قولك؛ هل ينبغى لهذا الربّ الذى وصفته بما وصفته من العظمة أن يكون له شريك فى ملكه، أو حاجة إلى شىء من خلقه، أو هل يغلبه شىء يستعين عليه بغيره؟

قال لهم: لو كان له شريك فى شىء من أمره لضبط ما ضبط، ولو كانت به حاجة إلى أحد من خلقه لكان مثلهم، ولو كان يستعين على شىء يغلبه بغيره إذا ما بلغت قدرته ما بلغت، ولا أحاطت بما أحاطت به، ولا وسع ما اتّسع له من أمر خلقه، وتدبير ما خلق ورزق وأمات وأحيا.

قالوا له: صدقت وعرفنا ما تقول وثبت فى قلوبنا، ولكن حدّثنا ما بال خلقه يشركون به وهم يعرفونه حقّ معرفته. قال: لأنه خلق فيهم الأهواء وطبع فيهم الشهوات، وجبلهم على الضعف، وثبّت معهم الشيطان، فمن قبل هذا عدلوا به وهم يعرفون أنّ الذين يدعون من دونه لا يحيونهم ولا يميتونهم، ولا يخلقونهم ولا يرزقونهم، ولا يضروّنهم ولا ينفعونهم، إذا مسّهم الضّرّ فإيّاه يدعون وإليه يجأرون؛ فعند ذلك اجتمع رأيهم على أن يأووا إلى الكهف، وأن يعتزلوا قومهم