والأرض إذ ذاك مفاوز، فخرجوا «١» حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشّام، فنى ماء عبد المطّلب وأصحابه، فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة، فاستسقوا من معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم، وقالوا: إنّا بمفازة، ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم؛ فلما رأى عبد المطّلب ما صنع القوم، وما يتخوّف على نفسه وأصحابه قال: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع رأيك «٢» ، فمرنا بما شئت، قال: فإنى أرى أن يحفر كلّ رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوّة، فكلّما مات رجل دفعه أصحابه فى حفرته ثم واروه، حتى يكون آخركم رجلا [واحدا «٣» ] فيموت ضيعة «٤» ، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا، قالوا: نعم ما أمرت به. فقام كل رجل «٥» منهم فحفر حفرته، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا؛ ثم إن عبد المطّلب قال لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت عجز «٦» ، ألا نضرب فى الأرض، ونبتغى لأنفسنا؟ فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد. ارتحلوا! فارتحلوا حتى إذا فرغوا، ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون، تقدّم عبد المطّلب إلى ناقته «٧» فركبها، فلمّا انبعثت به انفجرت من تحت خفّها عين [من «٨» ] ماء عذب، فكبّر عبد المطّلب وكبر أصحابه، ثم نزل فشرب، وشرب أصحابه،