وعاب ديننا، وفرّق جماعتنا، وسبّ آلهتنا؛ لقد صبرنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا؛ فبينما هم فى ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشى حتى استلم الركن، ثم مرّ بهم طائفا بالبيت، فغمزوه ببعض القول، قال: فعرفت ذلك فى وجهه صلى الله عليه وسلم، ثم مضى، فلما مرّ بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك فى وجهه، ثم مرّ بهم الثالثة فغمزوه بمثلها، فوقف ثم قال:«أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذى نفسى بيده لقد جئتكم بالذّبح «١» » . قال: فأخذت كلمته القوم حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدّهم فيه وصاة «٢» قبل ذلك ليرفؤه «٣» بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه القول، انصرف يا أبا القاسم، فو الله ما كنت جهولا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان الغد اجتمعوا فى الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا دنا منكم وباداكم بما تكرهون تركتموه، فبينما هم فى ذلك طلع رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، فأحاطوا به يقولون:
أنت الذى تقول كذا وكذا لما كان يقول من عيب آلهتهم ودينهم، فيقول:«نعم، أنا الذى أقول ذلك» . قال: فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع «٤» ردائه، فقام أبو بكر دونه وهو يبكى ويقول:(أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ)
، ثم انصرفوا عنه. فإن ذلك لأشدّ ما رأيت قريشا نالوا منه قطّ «٥» .