غلامه ذلك، وأخذه فأعتقه، ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر إلى المدينة ستّ رقاب؛ وهم عامر بن فهيرة، شهد بدرا وأحدا «١» ، وأمّ عميس «٢» ، وزنّيرة- وكانت روميّة لبنى عبد الدار- فأصيب بصرها حين أعتقها، فقالت قريش: ما أذهب بصرها إلّا اللّات والعزّى، وما ينفعان. فردّ الله إليها بصرها؛ وأعتق النهديّة وابنتها، وكانتا لامرأة من بنى عبد الدّار، فمرّ بهما وقد بعثتهما سيّدتهما بطحين لها وهى تقول: والله لا أعتقكما أبدا؛ فقال أبو بكر: حلّ «٣» يا أم فلان؛ فقالت:
حلّ أنت؛ أفسدتهما فاعتقهما، قال فبكم هما؟ قالت: بكذا وكذا؛ قال: أخذتهما وهما حرّتان، ارجعا إليها طحينها؛ قالتا: أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم نردّه إليها؛ قال: وذاك إن شئتما. ومرّ بجارية من بنى مؤمّل (حىّ من بنى عدىّ بن كعب) - وكانت مسلمة- وكان عمر يعذّبها لتترك الإسلام، وعمر يومئذ مشرك، وهو يضربها حتى إذا ملّ قال: إنى أعتذر إليك، لم أتركك إلّا ملالة، فيقول:
كذا يفعل الله بك. فآبتاعها فأعتقها؛ فقال أبو قحافة لأبى بكر: يا بنىّ، أراك تعتق رقابا ضعافا، فلو أنّك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقومون دونك؛ فقال أبو بكر: يا أبت إنّى إنما أريد لله عزّ وجلّ ما أريد؛ فيقال:
إنّ هذه الآيات أنزلت فيه رضى الله عنه قوله تعالى:(فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى)
إلى قوله:(وَلَسَوْفَ يَرْضى)
«٤» .
قال محمد بن إسحاق: وكان بنو مخزوم يخرجون بعمّار بن ياسر وبأبيه وأمّه- وكانوا أهل بيت إسلام- إذا حميت الظّهيرة يعذّبونهم برمضاء مكّة، فيمرّ بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيقول:«صبرا آل ياسر موعدكم الجنّة» ،