وقال أبو الحسن على بن إسماعيل الأشعرىّ وجماعة من أصحابه: إنه رأى الله ببصره وعينى «١» رأسه وقال: كل آية أوتيها نبىّ من الأنبياء عليهم السلام فقد أوتى مثلها نبيّنا، وخص من بينهم بتفضيل الرؤية.
قال القاضى أبو الفضل عياض بن موسى رحمه الله: والحق الذى لا امتراء فيه أن رؤيته تعالى فى الدنيا جائزة عقلا، وليس فى العقل ما يحيلها، والدليل على جوازها فى الدنيا سؤال موسى عليه السلام لها، ومحال أن يجهل نبىّ ما يجوز على الله تعالى وما لا يجوز عليه، بل لم يسأل إلا جائزا غير مستحيل، ولكن وقوعه ومشاهدته من الغيب الذى لا يعلمه إلا من علّمه الله، فقال له الله تعالى:(لَنْ تَرانِي)
أى لن تطيق ولا تحتمل رؤيتى، ثم ضرب له مثالا بما هو أقوى من نبيّه موسى وأثبت وهو الجبل. قال: وكل هذا ليس فيه ما يحيل رؤيته فى الدنيا، بل فيه جوازها على الجملة، وليس فى الشرع دليل قاطع على استحالتها ولا امتناعها، إذ كل موجود فرؤيته جائزة غير مستحيلة.
قال: ولا حجة لمن يستدلّ على منعها بقوله: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ)
لاختلاف التأويلات فى الآية، وقد استدل بعضهم بهذه الآية نفسها على جواز الرؤية، وعدم استحالتها على الجملة. وقد قيل:(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ)
، أى لا تحيط به، وهو قول ابن عباس، وقد قيل:(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ)
. وإنما يدركه المبصرون.
قال: وكل هذه التأويلات لا تقتضى منع الرؤية ولا استحالتها، وحيث تتطرّق التأويلات وتتسلط الاحتمالات، فليس للقطع سبيل، وكذلك وجوب الرؤية لنبينا صلى الله عليه وسلم، والقول بأنه رآه بعينه. فليس فيه قاطع أيضا ولا نصّ، إذ المعوّل فيه على آيتى النجم، والتنازع فيهما مأثور، والاحتمال لهما ممكن، ولا أثر قاطع متواتر عن النبىّ صلى الله عليه وسلم بذلك. والله تعالى أعلم بالصواب.