للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالوا: العشق يولّد الأخلاق الحميدة! وقالوا: لو لم يكن في الهوى إلا أنه يشجّع الجبان، ويصفّى الأذهان، ويبعث حزم العاجز، لكفاه شرفا! وقال أعرابىّ: من لم يحبّ قط فهو ردىء التركيب جافى الطبع كزّ المعاطف.

وقد روى أن الشعبىّ كان ينشد:

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى، ... فأنت وعير في الفلاة سواء!

وسمع ابن أبى مليكة غناء وهو يؤذّن، فطرب. فقيل له في ذلك، فقال:

إذا أنت لم تطرب ولم تدر ما الهوى ... فكن حجرا من يابس الصّخر جلمدا.

وسئل أبو نوفل: هل يسلم أحد من العشق؟ فقال: نعم الجلف الجافى الذى ليس فيه فضل ولا عنده فهم. فأما من في طبعه أدنى ظرف أو معه دماثة أهل الحجاز ورقّة أهل العراق، فهيهات! وحكى أبو الفرج بن الجوزىّ بسند يرفعه إلى اليمان بن عمرو مولى ذى الرياستين، قال: كان ذو الرياستين يبعثنى ويبعث أحداثا من أهله إلى شيخ عالم بخراسان، له أدب وحسن معرفة بالأمور، ويقول لنا: تعلّموا منه الحكمة، فإنه حكيم!، وكنا نأتيه.

فإذا انصرفنا من عنده، سألنا ذو الرياستين واعترض ما حفظناه فنخبره به. فقصدناه ذات يوم، فقال: أنتم أدباء، وقد سمعتم الحكمة ولكم جدات ونعم، فهل فيكم عاشق؟

فقلنا: لا. فقال: اعشقوا، فإن العشق يطلق اللسان العيىّ، ويفتح جبلّة البليد، ويبعث على التنظيف وتحسين اللباس وتطييب المطعم، ويدعو إلى الحركة والذّكاء، ويشرّف الهمة! وإياكم والحرام! فانصرفنا من عنده إلى ذى الرياستين، فسألنا عما أخذنا في يومنا ذلك فهبناه أن نخبره. فعزم علينا فأخبرناه، فقال: صدق والله! فهل