وقد انفلت وخرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه، وقال: يا محمد، قد تمت القضيّة بينى وبينك قبل أن يأتيك هذا، وهذا أوّل من أقاضيك عليه أن تردّه إلينا؛ ثم جعل يجرّه ليردّه إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلما ليفتنونى عن دينى؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذّب عذابا شديدا فى الله تعالى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«يا أبا جندل، احتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عاقدنا بيننا وبين القوم عقدا وصلحا، وأعطيناهم على ذلك عهدا، وإنّا لا نغدر» . قال: فوثب عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى أبى جندل يمشى إلى جنبه، ويقول: اصبر يا أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب- ويدنى قائم السيف منه- قال: يقول عمر: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، فضنّ الرجل بأبيه.
قال: وكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرجوا وهم لا يشكّون فى الفتح، لرؤيا رآها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما رأوا ذلك دخل الناس أمر عظيم حتى كادوا يهلكون، وزادهم أمر أبى جندل شرّا إلى ما بهم، قالوا:
فلما فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الكتاب، وفرغت القضيّة أشهد على الصلح رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين: أبا بكر، وعمر، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، وسعد بن أبى وقّاص، ومحمود بن مسلمة «١» أخا بنى عبيد الأشهل، ومكرز بن حفص بن الأخيف، وهو مشرك، وعلى بن أبى طالب، وكان هو كاتب الصحيفة. قال: فلما فرغ رسول الله صلّى الله عليه