للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن إسحق: ولما قدموا صلّوا فى المسجد نحو الشّرق، وكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منهم الثلاثة نفر: العاقب، والسيّد، وأبو حارثة، وهم من النصرانية على دين الملك، مع اختلاف من أمرهم، يقولون فى المسيح: هو الله، ويقولون:

هو ابن الله، ويقولون: هو ثالث ثلاثة، فهم يحتجّون فى قولهم: هو الله بأنه كان يحيى الموتى، ويبرئ من الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طائرا، ويحتجون فى قولهم إنه ابن الله بأنهم يقولون:

لم يكن له أب يعلم، وقد تكلم فى المهد، [وهذا «١» ] شىء لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله.

ويحتجون فى قولهم إنه ثالث ثلاثة، بقول الله فعلنا، وأمرنا، وخلقنا، وقضينا، فيقولون: لو كان واحدا ما قال إلا فعلت وقضيت وأمرت وخلقت، ولكنه هو، وعيسى، ومريم.

قال: فلما كلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحبران قال لهما: «أسلما» ، قالا:

قد أسلمنا قبلك. قال: «كذبتما، يمنعكما من الإسلام دعا كما لله ولدا، وعبادتكما الصّليب، وأكلكما الخنزير» قالا: فمن أبوه يا محمد؟ فصمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يجبهما، فأنزل الله تعالى عليه فى اختلاف أمرهم كلّه صدر سورة آل عمران، إلى بضع وثمانين آية منها.

فقال تعالى: (الم. اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)

قال «٢» : افتتح السورة بتنزيه نفسه عما قالوا وتوحيده، ليس معه شريك فى أمره: «الحىّ» أى الذى لا يموت، وقد مات عيسى وصلب فى قولكم. «القيّوم» القائم على مكانه من سلطانه