ثم قال: يا أخا بنى عذرة، مكانك حتّى أعود إليك! فما أتوهّم أن أمر ابنة عمّى صحيح! ثم مضى. فما لبث أن أقبل وعلى يده شىء محمول، وقد علا شهيقه ونحيبه، فقال: يا أخا بنى عذرة، هذه ابنة عمى، أرادت أن تأتينى فاعترضها الأسد فأكلها! ثم وضعها عن يده، وقال: على رسلك حتّى أعود اليك، ومضى فأبطأ حتّى يئست من رجوعه. ثم أقبل ورأس الأسد على يده، فألقاها وجعل ينكت على أسنان الأسد ويقول:
ألا أيّها الليث المخيل بنفسه! ... هلكت! لقد حرّت يداك لنا حزنا!
وغادرتنى فردا وقد كنت آلفا ... وصيّرت بطن الأرض ثمّ لنا سجنا!
أقول لدهر خاننى بفراقه: ... معاذ إلهى أن أكون له خدنا!
ثم قال: يا أخا بنى عذرة، إنك سترانى بين يديك ميّتا! فإذا متّ فاعمد إلىّ وابنة عمّى، فأدرجنا في كفن واحد، واحفر لنا جدثا واحدا، وادفنّا فيه، واكتب على قبرى هذين البيتين:
كنّا على ظهرها، والعيش في مهل! ... والشّمل يجمعنا والدار والوطن
ففرّق الدهر والتصريف ألفتنا ... فصار يجمعنا في بطنها الكفن.
وردّ الغنم إلى صاحبها وأعلمه بقصتنا، ثم عمد إلى خناق فطرحه في عنقه، فناشدته الله تعالى أن لا يفعل، فأبى وجعل يخنق نفسه حتّى سقط ميتا. فكفّنتهما ودفنتهما فى قبر واحد، وكتبت البيتين على قبرهما، ورددت الغنم إلى صاحبها، وأعلمته بقصتهما فحزن حزنا شديدا أشفقت منه على نفسه.