فلاح لى باب فقصدته. فوردت على راع في أصل جبل قد ألجأ غنمه إلى كهف فى الجبل، فسلمت عليه، فردّ علىّ السلام، وقال: أحسبك قد ضللت الطريق؟
قلت: قد كان ذلك، فأرشدنى! قال: بل أنزل حتّى تريح ظهرك، وتبيت ليلتك، فإذا أصبحت وقّفتك على القصد. فنزلت فرحّب بى وأكرمنى، وعمد إلى شاة فذبحها، وأجّج نارا، وجعل يشوى ويلقى بين يدىّ، ويحدّثنى في خلال ذلك. ثم قام إلى كساء فقطع به جانب الخباء ومهّد لى جانبا، ونزل جانبا خاليا. فلما كان في الليل سمعته يبكى ويشكو إلى شخص. فأرقت ليلتى. فلما أصبحت، طلبت الإذن فأبى، وقال:
الضيافة ثلاث! فأقمت عنده، وسألته عن اسمه ونسبه وحاله، فانتسب لى. فإذا هو من بنى عذرة، من أشرافهم. فقلت: يا هذا، وما الذى أحلّك هذا الموضع؟ فأخبرنى أنه كان يهوى ابنة عمّ له وتهواه، وأنه خطبها إلى أبيها فأبى أن يزوّجه إيّاها لقلّة ذات يده، وأنه زوّجها رجلا من بنى كلاب فخرج بها عن الحىّ وأسكنها في موضعه ذلك، وأنه تنكّر ورضى أن يكون راعيا لتأتيه ويراها. وجعل يشكو إلىّ صبابته بها وعشقه لها، حتى إذا جنّنا الليل وحان وقت مجيئها، جعل يتقلقل ويقوم ويقعد كالمتوقّع لها. فلما أبطأت عن الوقت المعتاد وغلبه الشوق، وثب قائما وأنشأ يقول:
ما بال ميّة لا تأتى لعادتها! ... أهاجها طرب أم صدّها شغل؟
لكن قلبى لا يلهيه غيرهم ... حتّى الممات، ولالى غيرهم أمل!
لو تعلمين الّذى بى من فراقكم ... لما اعتللت ولا طابت لك العلل!
روحى فداؤك! قد هيّجت لى سقما ... تكاد من حرّه الأعضاء تنفصل!
لو أن عاديّه منّى على جبل، ... لزال وانهدّ من أركانه الجبل!