للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بما أصبت من أموالهم، فدفع ذلك إلى عمر. وقيل: إنّه قال:

انظروا كم أنفقت منذ ولّيت من بيت المال؟ فاقضوه عنّى، فوجدوا مبلغه ثمانية آلاف. وقيل: إنّه قال لعائشة رضى الله عنها: أما إنّا منذ ولّينا أمر المسلمين لم نأكل لهم دينارا ولا درهما، ولكنّا قد أكلنا من جريش طعامهم، ولبسنا من خشن ثيابهم، وليس عندنا من فىء المسلمين إلّا هذا العبد، وهذا البعير، وهذه القطيفة، فإذا متّ فابعثى بالجميع إلى عمر؛ فلما مات بعثته إليه، فلما رآه بكى حتى سالت دموعه على الأرض؛ وجعل يقول: رحم الله أبا بكر! لقد أتعب من بعده، يكرّر ذلك، وأمر برفعه. فقال له عبد الرحمن ابن عوف: سبحان الله! تسلب عيال أبى بكر عبدا، وناضحا [١] ، وشقّ قطيفة ثمنها خمسة دراهم! فلو أمرت بردّها عليهم. فقال:

لا، والذى بعث محمدا لا يكون هذا فى ولايتى، ولا خرج أبو بكر منه وأتقلّده أنا.

وقد قيل: إنّه رضى الله عنه، كان يأخذ من بيت المال فى كلّ يوم ثلاثة دراهم أجرة، وإنه قال لعائشة: انظرى يا بنيّة ما زاد فى مال أبيك منذ ولى هذا الأمر فردّيه على المسلمين.

فنظرت فإذا بجرد [٢] قطيفة لا تساوى خمسة دراهم، ومحشّة [٣] ، فجاء الرّسول إلى عمر بذلك والنّاس حوله، فبكى عمر، وبكى النّاس؛ وقال: رحمك الله أبا بكر! لقد كلّفت من بعدك تعبا طويلا! فقال الناس: اردده يا أمير المؤمنين إلى أهله.


[١] الناضح: البعير الذى يستقى عليه الماء.
[٢] جرد قطيفة، قطيفة بالية.
[٣] المحشة: حديدة تحرك بها النار.