الجالينوس مرّة ثانية فأضرب عنقه. فأقبل بهمن جاذويه ومعه «درفس كابيان» راية كسرى، وكانت من جلود النّمور، طولها أثنا عشر ذراعا فى عرض ثمانية أذرع، فنزل بقسّ النّاطف، وأقبل أبو عبيد فنزل بالمروحة، فرأت امرأته دومة أمّ المختار أنّ رجلا نزل من السماء بإناء فيه شراب، فشرب أبو عبيد ومعه نفر، فأخبرت أبا عبيد بما رأت؛ فقال: هذه إن شاء الله الشّهادة، وعهد إلى النّاس وقال: إن قتلت فعلى النّاس فلان، فإن قتل ففلان ...
حتى أمّر الّذين شربوا من الإناء، ثم قال: إن قتل [أبو القاسم][١] فعلى النّاس المثنّى. وبعث إليهم بهمن جاذويه يقول: إمّا أن تعبروا إلينا وندعكم والعبور، وإمّا أن تدعونا نعبره إليكم؛ فنهاه الناس عن العبور، فأبى وترك الرأى، وقال: لا تكونوا أجرأ على الموت منّا، فعبر إليهم على جسر عقده ابن صلوبا للفريقين، فالتقوا واقتتلوا، فلمّا نظرت الخيول إلى الفيلة وإلى خيل الفرس، عليهم التّجافيف، رأت شيئا منكرا لم يكن رأت مثله، فلم تقدم عليهم، فاشتدّ الأمر على المسلمين، فترجّل أبو عبيد والناس، ثم مشوا إليهم فصافحوهم بالسّيوف، فجعلت الفيلة لا تحمل على جماعة إلّا دفعتهم، فنادى أبو عبيد: احتوشوا الفيلة واقطعوا بطنها، واقلبوا عنها أهلها؛ ووثب هو على الفيل الأبيض فقطع بطانه ودفع الّذين عليه، وفعل القوم مثل ذلك، فما تركوا فيلا إلّا حطّوا رحله، وقتلوا أصحابه. وأهوى الفيل لأبى عبيد فضربه أبو عبيد بالسّيف، وخبطه الفيل بيده فوقع فوطئه وقام عليه، فلمّا بصر به