للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزّىّ، فلم ينزل عن فرسه حتّى وقف على رستم. فقال له: انزل، قال: لا أفعل، فقال: ما جاء بك ولم يأت الأوّل؟ قال: إنّ أميرنا يحبّ أن يعدل بيننا فى الشّدة والرّخاء، وهذه نوبتى. فقال:

ما جاء بكم؟ فأجابه نحو الأوّل. فطلب رستم الموادعة إلى يوم ما.

فقال: نعم، ثلاثا من أمس، فردّه.

وأقبل رستم على أصحابه فقال: ويحكم! ألا ترون ما أرى؟

جاءنا الأوّل بالأمس فغلبنا على أرضنا، وحقّر ما نعظّم، وأقام فرسه على زبرجنا [١] ؛ وجاء هذا اليوم فوقف علينا وهو فى يمن الطائر، يقوم على أرضنا دوننا.

فلمّا كان الغد أرسل أن ابعثوا لنا رجلا، فبعث إليهم المغيرة بن شعبة، فأقبل عليهم، وعليهم التّيجان والثياب المنسوجة بالذهب، وبسطهم على غلوة سهم [٢] ، لا يوصل إلى صاحبهم حتى يمشى عليها، فأقبل المغيرة حتى جلس مع رستم على سريره، فوثبوا عليه وأنزلوه ومعكوه [٣] ؛ فقال: قد كان يبلغنا عنكم الأحلام [٤] ، ولا أرى قوما أسفه منكم؛ إنّا معشر العرب لا يستعبد بعضنا بعضا، فظننت أنّكم تواسون قومكم كما نتواسى، فكان أحسن من الّذى صنعتم أن تخبرونى أنّ بعضكم أرباب بعض؛ وأنّ هذا الأمر لا يستقيم فيكم ولا يصنعه أحد، وأنا لم آتكم ولكن دعوتمونى، اليوم علمت


[١] الزبرج: الزينة من وشى أو جوهر.
[٢] الغلوة: مقدار مرمى السهم.
[٣] معكوه: دلكوه بالتراب.
[٤] الأحلام: جمع حلم وهو العقل.