للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهم: إنّ الأمثال أوضح من كثير من الكلام، إنّكم كنتم أهل جهد وقشف [١] ، لا تنتصفون ولا تمتنعون، فلم نسىء جواركم، وكنّا نميركم [٢] ونحسن إليكم، فلمّا طعمتم طعامنا، وشربتم شرابنا، وصفتم لقومكم ذلك، ووعدتموهم ثم أتيتمونا، وإنّما مثلكم ومثلنا كمثل رجل كان له كرم، فرأى فيه ثعلبا، فقال:

وما ثعلب! فانطلق الثّعلب فدعا الثّعالب إلى ذلك الكرم، فلمّا اجتمعوا إليه شدّ صاحب الكرم النقب الذى كنّ يدخلن منه فقتلهنّ.

فقد علمت أن الذى حملكم على هذا الحرص والجهد، فارجعوا ونحن نميركم؛ فإنّى لا أشتهى أن أقتلكم. ومثلكم أيضا كالذّباب يرى العسل فيقول: من يوصلنى إليه وله درهمان، فإذا دخله غرق ونشب [٣] ، فيقول: من يخرجنى وله أربعة دراهم؟

وقال: ما دعاكم إلى ما صنعتم، ولا أرى عددا ولا عدّة! قال: فتكلّم القوم، وذكروا سوء حالهم، وما منّ الله تعالى عليهم من إرسال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واختلافهم أوّلا، واجتماعهم على الإسلام، وما أمرهم به من الجهاد، وقالوا: وأمّا ما ضربت لنا من الأمثال فليس كذلك، ولكن إنّما مثلكم كمثل رجل غرس أرضا واختار لها الشّجر، وأجرى إليها الأنهار وزيّنها بالقصور، وأقام فيها فلّاحين يسكنون قصورها ويقومون على جنّاتها، فخلا


[١] : القشف قذر الجلد وسوء الحال.
[٢] نميركم: نطعمكم.
[٣] نشب، أى وقع فيما لا مخلص منه.