للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفلّاحون فى القصور على ما لا يحبّ، فأطال إمهالهم فلم يستجيبوا [١] ، فدعا إليها غيرهم وأخرجهم منها، فان ذهبوا عنها يختطفهم الناس، وإن أقاموا فيها صاروا خولا [٢] لهؤلاء، فيسومونهم الخسف أبدا، والله لو لم يكن ما نقول حقا ولم يكن إلّا الدّنيا لما صبرنا عن الّذى نحن فيه من لذيذ عيشكم، ورأينا من زبرجكم، ولقارعناكم [٣] عليه؛ فقال رستم: أتعبرون إلينا أم نعبر إليكم؟ فقالوا: بل أعبروا إلينا. ورجعوا من عنده عشيّا، وأرسل سعد إلى النّاس أن يقفوا مواقفهم، وأرسل إليهم شأنكم والعبور، فأرادوا الجواز على القنطرة فمنعهم المسلمون، وقالوا: أمّا شىء غلبناكم عليه فلا نردّه عليكم، فباتوا يسكرون [٤] العتيق بالتّراب والقصب والبراذع حتّى الصباح، وجعلوا طريقا، واستتم بعد ما ارتفع النهار. ورأى رستم من اللّيل كأنّ ملكا نزل من السّماء، فأخذ قسىّ أصحابه فختم عليها، ثم صعد بها إلى السّماء، فاستيقظ مهموما، واستدعى خاصّته فقصّها عليهم، وقال:

إنّ الله ليعظنا لو أتّعظنا، ثمّ ركب، وعبر وعليه درعان ومغفر، وأخذ سلاحه وعبر الفرس العتيق، ثم كانت الحرب. والله تعالى أعلم بالصّواب، وإليه المرجع والمآب.


[١] ابن الأثير: «فلم يستحيوا» .
[٢] خولا: خدما.
[٣] قارعناكم: قاتلناكم.
[٤] سكر النهر: سد فاه بالتراب.