للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرّوم بعد الإسكندرية! فلمّا فرغ من جهازه أهلكه الله فمات وكفى الله المسلمين مؤنته.

وكان موته فى سنة تسع عشرة، فكسر الله بموته شوكة الرّوم، ورجع جمع كبير ممّن كان توجّه لإعانة أهل الإسكندرية، فاستأسدت العرب عند ذلك، وألحّت بالقتال، فقاتلوا قتالا شديدا، فبرز رجل من الروم، وبرز له مسلمة بن مخلد، فصرعه الرّومىّ وألقاه عن فرسه، وأهوى إليه ليقتله حتّى حماه رجل من أصحابه، وكان مسلمة لا يقام له؛ ولكن غلبته المقادير، فشقّ ذلك على المسلمين.

وكان مسلمة ثقيل للبدن، كثير اللّحم، فاشتدّ غضب عمرو، وقال: ما بال الرّجل المستّه الّذى يشبه النّساء يتعرّض إلى مداخل الرجال ويتشبّه بهم! فغضب مسلمة من ذلك ولم يراجعه، ثم اشتدّ القتال حتّى اقتحم المسلمون حصن الإسكندريّة، وقاتلوا فيه، ثم جاشت الرّوم حتّى أخرجوهم جميعا من الحصن، إلّا أربعة، منهم عمرو ابن العاص، ومسلمة بن مخلد، فأغلقوا الحصن عليهم، والتجئوا إلى ديماس [١] من حمّامات الروم، فأنزل الرّوم روميّا يتكلّم بالعربيّة، فقال لهم: إنّكم قد سرتم أسارى فى أيدينا، فاستأسروا ولا تقتلوا أنفسكم.

ثم قال لهم: إنّ فى أيدى أصحابكم منّا رجالا أسروهم، ونحن نعطيكم العهود ونفادى بكم أصحابنا، ولا نقتلكم، فأبوا عليهم.


[١] الديماس: الحمام.