للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال لهم الرّومّى: فهل لكم إلى خصلة وهى نصف فيما بيننا وبينكم، أن تعطونا العهد ونعطيكم مثله؛ على أن يبرز منّا رجل، ومنكم رجل، فإن غلب صاحبنا صاحبكم استأسرتم لنا، وأمكنتمونا من أنفسكم، وإن غلب صاحبكم صاحبنا خلّينا سبيلكم. فرضوا بذلك وتعاهدوا عليه.

فبرز رجل من الرّوم وقد وثقت الرّوم بنجدته وشدّته، فأراد عمرو أن يبرز فمنعه مسلمة وقال: أنا أكفيك إن شاء الله.

فقال عمرو: دونك؛ فربّما فرّجها الله بك. فبرز مسلمة للرّومّى فتجاولا ساعة، ثم أعان الله مسلمة فقتله، وكبّر وكبّر أصحابه، ووفى لهم الرّوم بما عاهدوهم عليه، ففتحوا لهم باب الحصن، فخرجوا، والرّوم لا يدرون أن أمير القوم فيهم، ثم بلغهم ذلك، فأسفوا على ما فاتهم منه، وندم عمرو واستحبا من مقالته لمسلمة ما قال، فاستغفر له عمرو.

قال [١] : ولمّا أبطأ الفتح على عمر، كتب إلى عمرو:

أمّا بعد، فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر، وأنكم تقاتلونهم منذ سنتين؛ وما ذاك إلّا لما أخذتم [٢] وأحببتم من الدنيا ما أحبّ عدوّكم، وإنّ الله تعالى لا ينصر قوما إلا بصدق نيّاتهم.

وقد كنت وجّهت إليك أربعة نفر، وأعلمتك أنّ الرجل منهم مقام ألف رجل على ما كنت أعرف؛ إلّا أن يكونوا غيّرهم ما غيّر غيرهم، فإذا أتاك كتابى هذا فاخطب النّاس وحضّهم على قتال


[١] ابن عبد الحكم: ٧٩.
[٢] ابن عبد الحكم: «أحدثتم» .