فأرسل رتبيل إلى عبد الرحمن وثلاثين من أهل بيته، فحضروا عنده، فقيّدهم وأرسلهم إلى عمارة، فألقى عبد الرحمن نفسه من سطح قصر فمات، فاحتزّ رأسه، وسيّره إلى الحجاج، وسيّره الحجاج إلى عبد الملك مع عرار بن عمرو بن شأس، وكتب معه كتابا، فجعل عبد الملك يقرأ كتاب الحجاج، فإذا شكّ فى شىء سأل عرارا عنه فيخبره به، وكان عرار أسود اللون، فعجب عبد الملك من بيانه وفصاحته مع سواده، وهو لا يعرفه فتمثّل «١» :
وإن «٢» عرارا إن يكن غير واضح ... فإنى أحبّ الجون ذا المنطق العمم
فضحك عرار، فقال له عبد الملك: مالك تضحك؟ فقال:
أتعرف عرارا يا أمير المؤمنين؟ قال: لا. قال: فأنا هو. فضحك عبد الملك ثم قال: حظّ وافق حكمة. وأحسن جائزته، وسرّحه.
وروى أبو عمر بن عبد البر بسند رفعه إلى العتبى عن أبيه، قال «٣» :
كتب الحجاج إلى عبد الملك كتابا يصف له فيه أهل العراق وما ألفاهم عليه من الاختلاف وما يكرهه «٤» منهم، وعرّفه ما يحتاجون إليه من التقويم والتأديب، ويستأذنه أن يودع قلوبهم من الرهبة ما يخفّون به إلى الطاعة، ودعا رجلا من أصحابه كان يأنس به، فقال له: انطلق بهذا الكتاب، ولا يصلنّ من يدك إلّا إلى يد أمير المؤمنين، فإذا قبضه فتكلّم عليه.