العرب، أما بعد، فإن هذه المرأة كانت وضعتك وأباك وأخاك موضع الملوك، ووضعت نفسها موضع السوقة، وإنى واضعك بغير ذلك الموضع، وعامل على تطرّق بلادك والهجوم على أمصارك، أو تؤدّى إلىّ ما كانت المرأة تؤديه إليك والسلام.
فلما ورد الكتاب على الرشيد كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله هارون- أمير المؤمنين- إلى نقفور- كلب الروم- أما بعد فقد فهمت كتابك، وجوابك عندى ما تراه عيانا لا ما تسمعه. ثم شخص من شهره ذلك يؤم بلاد الروم، فى جمع لم يسمع بمثله، فلما بلغ نقفور ذلك ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وشاور فى أمره، وجدّ الرشيد فجعل يوغل فى بلاد الروم، فيقتل ويسبى ويغنم ويعفى الآثار ويخرّب الحصون، حتى صار إلى طرق متضايقة دون قسطنطينيّة، فلما بلغها وجدها وقد أمر نقفور بالشجر فقطع ورمى به فى تلك الطرق وأشعلت فيه النيران، فكان الرشيد أول من لبس ثياب النفاطين فخاضها، ثم اتبعه الناس فبعث إليه نقفور بالهدايا، وخضع له أشد الخضوع وأدّى له الجزية، عن رأسه فضلا عن أصحابه، فرجع هارون- لما أطاعه ما أعطاه- إلى الرقة.
فلما رجع وأمن نقفور أن يغزى اغتر بالمهلة، ونقض ما كان بينه وبين الرشيد ورجع إلى حالته الأولى، فلم يجترئ يحيى بن خالد «١» فضلا عن غيره على إخبار الرشيد بغدر نقفور، وبذل هو وبنوه أموالا للشعراء على أن يقولوا أشعارا فى إعلام الرشيد بذلك، فكلهم أشفق إلا شاعر من أهل جدّة يكنى أبا محمد، وكان مجيدا قوىّ الشعر، فإنه أخذ من يحيى وبنيه مائة ألف درهم، ودخل إلى الرشيد فأنشده: