للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


السمرقندى رحمه الله فى كتابه المترجم تنبيه الغافلين (مطبوع طبعة بولاق) قال: حدثنا أبى قال: حدثنا أبو الحسن الفرا عن عبد الله بن الفرج قال: خرجت يوما فى طلب أجير يعمل لى شيئا فى الدار، فأتيت فى طلبه فإذا أنا برجل حسن الوجه وبين يديه مر وزنبيل، فقلت له:
أتعمل لى اليوم إلى آخر الليل؟ قال: نعم، قلت: بكم؟ قال: بدرهم ودانق، قلت له:
قم، فقام وأتى معى إلى منزلى، فعمل معى عملا كان يعمله غيره فى ثلاثة أيام، ثم أتيته فى اليوم الثانى أطلبه فلم أره، فسألت عنه فقيل هو رجل لا يرى فى الأسبوع إلا يوما واحدا، وقالوا لى يوم السبت، فتربصت حتى أتى ذلك اليوم، فجئت وهو جالس، فقلت له:
أتعمل اليوم معى؟ قال: نعم بدرهم ودانق، قلت: تعمل بدرهم، قال: لا، إلا بدرهم دانق، قلت قم فقام وعمل معى عملا كان يعمله غيره فى ثلاثة أيام، فلما كان وقت المساء وزنت له درهما واحدا، فقال لى: ألم أقل لك بدرهم ودانق؟ وكنت أردت أن اختبره، فقال: قد أفسدت علىّ أجرتى، ولا آخذ منك شيئا، قال: فوزنت له درهما ودانقا، فأبى أن يأخذه، فألححت عليه فقال: سبحان الله أقول لك ما آخذ وتلح علىّ!! ومضى وأقبلت إلى أهلى وأخبرتهم بقصته فقالت لى زوجتى: فعل الله بك وصنع، ما الذى أردت من رجل عمل لك عمل ثلاثة أيام فى يوم واحد!! قال فجئت يوما أسأل عنه فقيل لى إنه مريض، فاستدللت على بيته فأرشدت إليه، فأتيته وإذا هو مبطون فى خربة، ليس فيها شىء غير ذلك المر والزنبيل، فسلمت عليه فرد على، فقلت له: لى إليك حاجة، وأنت تعرف ما جاء فى إدخال السرور على العبد، فقلت: إنى أحب أن تأتى إلى بيتى حتى أمرضك فيه، قال: أتحب ذلك؟ قلت نعم، قال: آتيك على ثلاثة شرائط تقبلها منى ولا تخالفنى فيها، قلت: نعم، قال: أحدها أنك لا تعرض على طعاما حتى أسألك وآذن لك فيه، قلت:
نعم، قال: والثانى: اذا أنامت فكفنى فى كسائى هذا وجبتى هذه، فقلت: نعم، وأما الثالث: فهو أشد منهما، وسأخبرك عنه غدا إن شاء الله، قال: فحملته إلى منزلى عند الظهر، فلما أصبحت من الغد نادانى فأتيته، فقلت ما شأنك؟ قال: ألا أخبرك عن حاجتى الثالثة، أعلم أنه قد حضرت وفاتى، ثم قال: افتح هذه الصرة التى فى كم جبتى، ففتحتها فاذا فيه خاتم عليه فص أخضر، فقال لى: يا عبد الله إذا أنامت فكفنى كما أمرتك وورانى، وخذ هذا الخاتم فأدفعه إلى هارون الرشيد، وقل له: يقول لك صاحب هذا الخاتم: ويحك لا تموتن على سكرتك هذه فإنك إن مت عليها ندمت، ثم مات، فلما دفنته سألت عن يوم خروج الرشيد فأخبرت، فكتبت قصة وتعرضت له، فدفعت إليه القصة بعد أن ضربت ضربا موجعا، قال: فلما دخل القصر وقرأ القصة استدعانى، فدخلت عليه فقال: ما شأنك؟
فأخرجت الخاتم ودفعته إليه، فلما نظر إليه قال لى: من أين لك هذا الخاتم؟ قلت يا أمير المؤمنين دفعة إلىّ رجل طيان وأخبرته بقصته، فنظرت إلى دموعه تنحدر على لحيته، وهو يقول:
رجل طيان!!! وقربنى منه وأدنانى فدنوت منه، فقلت له: يا أمير المؤمنين إنه أوصانى بوصيته ألقيها إليك، قال: ألق ما معك من الوصية، قلت له: يقول لك صاحب هذا الخاتم: لا تموتن على سكرتك هذه، فإنك إن مت عليها ندمت، فقام قائما وضرب بنفسه على البساط وجعل ينتف رأسه ولحيته، ويقول: يا بنى نصحت أباك حيا وميتا، وبكى بكاء طويلا ثم جلس، وجاءوا فغسل وجهه، واستعاد القصة