للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تمتّع من الدنيا فإنّك لا تبقى ... وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرنقا

ولا تأمننّ الدهر إنى أمنته ... فلم يبق لى حالا «١» ولم يرع لى حقا

قتلت صناديد الرجال ولم أدع ... عدوا ولم أمهل على ظنة «٢» خلقا

وأخليت دار الملك من كل نازع ... فشرّدتهم غربا وشرّدتهم «٣» شرقا

فلما بلغت النجم عزا ورفعة ... وصارت رقاب الخلق أجمع لى رقا

رمانى الردى سهما فأخمد جمرتى ... فهأنذا فى حفرتى عاجلا ألقى

فياليت شعرى بعد موتى ما ألقى ... إلى نعم الرحمن «٤» أم ناره ألقى

قال: وكان المعتضد ذا عزم وشهامة ونهضة، بصيرا بالأمور حسن السياسة والسيرة، ولما ولى وضع عن الناس البواقى وأسقط المكوس بالحرمين، وبث العدل فى الآفاق وبذل الأموال، وغزا وجالس المحدّثين وأهل الفضل والدين. قال ثابت بن قرة الحرّانى: ولى المعتضد الخلافة وليس فى بيت المال إلا قراريط لا تبلغ الدينار، والحضرة مطلوبة والأعمال منهوبة والأعراب والأكراد عائثون والأعداء متسلطون، فأصلح الأمور وأحسن التدبير وقمع الخوارج وبالغ فى العمارة وأنصف فى المعاملة ورفق بالرعيّة، حتى استفضل من ارتفاعه فى سنى خلافته تسعة عشر ألف ألف دينار، وتقدّم إلى اجناده وأتباعه بلزوم الطريقة الحميدة، وعرّفهم أنّه متى أفسد غلام أحد منهم كان المأخوذ به مولاه، فسمع يوما صوتا من بعض الكروم مما يلى دجلة فأمر باستعلام الحال، فأخبر أنّ غلام بعض الأمراء أخذ حصر ما من الكرم فأمر بإحضار الأمير، وتقدّم بضرب عنقه، فلم يجسر أحد من الجند بعد ذلك على الفساد؛ ثم قال المعتضد بعد ذلك لوزيره عبيد الله ابن سليمان: لعلّك أنكرت ما جرى من قتلى هذا الأمير بجرم جناه غيره،