النّاس إلى دار الخلافة لأنه يوم موكب ودولة جديدة، فامتلأت الممرات والرّحاب وشاطىء دجلة من الناس، وحضر الرجالة المصافية فى السلاح يطالبون بحقّ البيعة ورزق سنة وهم حنقون لما فعل بهم نازوك، ولم يحضر مؤنس المظفّر ذلك اليوم. وارتفعت الأصوات وزعقات الرّجال، فسمعها نازوك فأشفق أن يقع بينهم وبين أصحابه فتنة وقتال. فأمر أصحابه أن لا يتعرّضوا لهم ولا يقاتلوهم، فزاد شغب الرجالة وهجموا يريدون الصّحن التسعينى، فلم يمنعهم أصحاب نازوك. ودخل من كان على الشّطّ بالسّلاح، وقويت زعقاتهم من مجلس القاهر بالله وعنده الوزير ابن مقلة، ونازوك «١» وأبو الهيجاء ابن حمدان، فقال القاهر لنازوك: اخرج إليهم فسكّنهم وطيّب قلوبهم! فخرج إليهم نازوك وهو مخمور قد شرب طول ليلته، فلما رآه الرجالة تقدموا إليه ليشكوا إليه حالهم بسبب أرزاقهم فخافهم على نفسه وهرب منهم، فطمعوا فيه وتبعوه، فانتهى به الهرب إلى باب كان هو سدّه بالأمس فقتلوه عنده، وقتلوا خادمه عجيبا وصاحوا: مقتدر يا منصور! فهرب كلّ من كان فى الدّار من الوزير والحجّاب وسائر الطبقات وبقيت الدار فارغة. وصلبوا نازوك وعجيبا بحيث يراهما من على شاطىء دجلة، ثم صار الرجّالة إلى دار مؤنس يصيحون ويطالبونه بالمقتدر بالله. وبادر الخدم فأغلقوا أبواب دار الخليفة وكانوا جميعا خدم المقتدر ومماليكه وصنائعه.