ثم إن المنصور رمى كل ناحية بحجرها، وبقى على مصلّاه خمسين يوما، ينام عليه ويجلس عليه، وعليه جبة ملوّنة، قد «١» اتسخ جيبها، ما غيّرها ولا هجر المصلى، إلا أنه، إذا ظهر للناس لبس السواد، فإذا فارقهم رجع إلى هيئته، وأهديت إليه امرأتان من المدينة، إحداهما فاطمة بنت محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله والأخرى أمة «٢» الكريم بنت عبد الله من ولد خالد بن أسيد، فلم ينظر إليهما، فقيل له: إنّهما قد ساءت ظنونهما، فقال: ليست هذه أيام نساء، ولا سبيل إليهما حتى أنظر: أرأس «٣» إبراهيم لى أم رأسى له؟ قال الحجّاح بن قتيبة: لما تتابعت الفتوق على المنصور، دخلت مسلما عليه وقد أتاه خبر البصرة والأهواز وفارس، وعساكر إبراهيم قد عظمت، وبالكوفة مائة ألف سيف بازاء عسكره، تنتظر صيحة واحدة فيثبون به؛ فرأيته أحوذيا «٤» مشمرا قد قام إلى ما نزل به من النوائب يعركها، فقام بها ولم تقعد به نفسه، وإنّه لكما قال الأوّل: