ثم وجّه المنصور إلى إبراهيم، عيسى بن موسى في خمسة عشر ألفا، وعلى مقدّمته حميد بن قحطبة في ثلاثة آلاف، وقال له- لمّا ودّعه-:
إنّ هؤلاء الخبثاء- يعنى المنجّمين- يزعمون أنّك إذا لاقيت إبراهيم، تجول أصحابك جولة حين تلقاه، ثم يرجعون إليك وتكون العاقبة لك.
قال: ولمّا سار إبراهيم عن البصرة مشى ليلة في عسكره سرا، فسمع أصوات الطنابير، ثم فعل ذلك ليلة أخرى فسمعها أيضا، فقال:
ما أطمع في نصر عسكر فيه مثل هذا، وسمع وهو ينشد في طريقه أبيات القطامىّ:
أمور لو تدبّرها حليم ... إذا لنهى وهيّب ما استطاعا
ومعصية الشفيق عليك ممّا ... يزيدك مرّة منه استماعا
وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبّعه اتباعا
ولكنّ الأديم إذا تفرّى ... بلى وتعيّبا غلب الصّناعا
فعلموا أنّه نادم على مسيره، وكان ديوانه قد أحصى مائة ألف، وقيل كان معه في طريقه عشرة آلاف، وقيل له في طريقه ليأخذ غير الوجه الذى فيه عيسى بن موسى ويقصد الكوفة، فإن المنصور لا يقوم له وينضاف أهل الكوفة إليه، ولا يبقى للمنصور مرجع دون حلوان، فلم يفعل، وقيل له ليبيّت عيسى بن موسى، فقال: أكره البيات إلا بعد الإنذار، وقال له بعض أهل الكوفة: إئذن لى بالمسير إلى الكوفة، أدعو الناس سرا ثم أجهر، فإذا سمع المنصور الهيعة بأرجاء الكوفة، لم يردّ وجهه شىء دون حلوان، فاستشار إبراهيم بشير الرحّال، فقال: لو وثقنا بالذى تقول لكان رأيا، ولكنّا لا نأمن أن