طلب الأمان، ثم أقام الموفّق لا يحارب ليريح أصحابه إلى شهر ربيع الآخر من السنة.
فلما انتصف الشهر قصد الموفّق مدينة الزنج، وفرّق قوّاده على جهاتها، وجعل مع كل طائفة منهم من النقّابين جماعة لهدم السور، وتقدّم إلى جميعهم ألا يزيدوا على هدم السور ولا يدخلوا المدينة، وتقدّم إلى الرماة أن يحموا بالسهام من يهدم السور وينقبه، فتقدموا إلى المدينة من سائر جهاتها، ووصلوا إلى السور وثلموه في مواضع كثيرة، ودخل أصحاب الموفّق المدينة من تلك الثلم، وجاء أصحاب صاحب الزنج فقاتلوهم فهزمهم أصحاب الموفّق، وتبعوهم حتى أوغلوا فى طلبهم، واختلفت بهم طرق المدينة، فبلغوا أبعد من الموضع الذى وصلوا إليه في المرّة الأولى وأحرقوا وأسروا، وتراجع الزنج عليهم وخرج الكمناء من مواضع يعرفونها ويجهلها أصحاب الموفّق، فتحيّروا ودافعوا عن أنفسهم وتراجعوا نحو دجلة، بعد أن قتل منهم جماعة وأخذ الزنج أسلابهم، ورجع الموفّق إلى مدينته وأمر بجمع أصحابه، ولامهم على مخالفته في دخولهم وافساد رأيه وتدبيره، وأمر باحصاء من فقد من أصحابه، وأقر ما كان لهم من الرزق على أولادهم وأهليهم، فحسن موقع ذلك عندهم، وزاد في صحة نيّاتهم وصدق عزائمهم.