جوعا، فقال: أو لم يكن لك شىء تذكّرنى به نفسك غير هذا؟ فقلت: هكذا حضرنى حين ذكرتهم، فقال: أعرض وتنبّه على إرادتى وغنّ فأنسانى الله كلّ شىء أحسنه إلا هذا الصوت
الحين ساق الى دمشق وما ... كانت دمشق لأهلنا بلدا
قادتك نفسك فاستقدت لها ... وأرتك أمر غواية رشدا
فرمانى بالقدح فأخطأنى وانكسر القدح، وقال: قم الى لعنة الله وحرّ سقر! فركب، وكانت تلك الحال آخر عهدى به حتى مرض ومات بعد ذلك بقليل.
ومثل ذلك ما حكى في قتلة المتوكل، وذلك أنه جلس يوم الأربعاء لأيام خلون من شوّال سنة تسع وأربعين ومائتين وقال للفتح بن خاقان: أحبّ أن نصطبح؛ فأحضر المغنّين وفيهم أحمد بن أبى العلاء فقال له: غنّ فغنّى
يا عاذلىّ من الملام دعانى ... إنّ البليّة فوق ما تصفان
زعمت بثينة أنّ فرقتنا غدا ... لا مرحبا بغد فقد أبكانى
فتطّير المتوكّل منه، وقال: أحمد! كيف وقع لك أن تغنّى بهذا الشعر، قال:
فشغل قلب ابن أبى العلاء لما أنكر عليه، ثم ذهب ليغنّى غيره، فغنّاه ثانية، فقال المتوكّل: نسأل الله خير هذا اليوم، وصرف المغنّين وقام لصلاة الظهر، فلمّا فرغ قال له الفتح: يا سيّدى أتمم يومك، فدعا بالشراب وقال: أين ابن أبى العلاء؟ فأحضر فقال له: غنّ، فأغمى عليه فأعاد البيتين فاغتمّ المتوكّل غاية الغمّ وقتل في الليلة الآتية من ذلك اليوم.
قال القاضى أبو على الجوينىّ: حضرت بين يدى سيف الدولة أبى الحسن صدقة ابن منصور بن دبيس، وابنه أبو المكارم محمد إذ ذاك مريض مرضه الذى مات فيه