للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأقبل علىّ وقال: أرى والله يا عمّ أن هذا آخر أمرنا، فقلت: كلّا! بل يبقيك الله يا أمير المؤمنين ويسرّك، قال: ودجلة والله هادئة ما فيها صوت مجداف، ولا أحد يتحرّك؛ فسمعت هاتفا يهتف: (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ)

قال فقال لى:

سمعت يا عمّ؟ فقلت: وما هو؟ وقد والله سمعته، فاذا الصوت قد عاد فقال: انصرف بيتك الله بخير فمحال أن لا تكون الآن قد سمعت ما سمعت، فانصرفت وكان آخر العهد به.

وشبيه بهذا ما حكى عن علّوية المغنىّ قال: كنت مع المأمون لما خرج الى الشام، فدخلنا دمشق فطفنا فيها، وجعل يطوف على قصور بنى أميّة، ويتتبّع آثارهم، فدخلنا صحنا من صحونهم، مفروشا بالرخام الأخضر، وفيه بركة ماء فيها سمك، وأمامها بستان، فاستحسن ذلك وعزم على الصّبوح ودعا بالطعام والشراب، وأقبل علىّ فقال: غنّنى ونشّطنى، فكأنّ الله تعالى أنسانى الغناء كله إلا هذا الصوت من شعر عبد الله بن قيس الرّقيّات

لو كان حولى بنو أمية لم ... تنطق رجال أراهم نطقوا

من كلّ قرم محض ضرائبه ... عن منكبيه القميص ينخرق

قال: فنظر الىّ مغضبا، وقال: عليك وعلى بنى أميّة لعنة الله، ويلك! أقلت لك سرّنى أو سؤنى؟ ألم يكن لك وقت تذكر فيه بنى أميّة إلا هذا الوقت تعرّض بى؟ فتجلّدت عليه وعلمت أنّى قد أخطأت، فقلت: أتلومنى على أن أذكر بنى أميّة؟ هذا مولاكم زرياب عندهم يركب في مائتى غلام مملوك له، ويملك ثلاثمائة ألف دينار [وهبوها له سوى الخيل والضياع والرّقيق «١» ] : وأنا عندكم أموت