وانتهوا إلى قصور من قصور صاحب الزنج فأحرقوها وانتهبوا ما فيها واستنقذوا عددا كثيرا من النساء اللاتى كنّ فيها، وغنموا منها، وانصرف الموفّق عند غروب الشمس بالظفر والسلامة، وبكّر إلى حربهم وهدم السور، فأسرع الهدم حتى اتصل بدار انكلاى، وهى متصلة بدار صاحب الزنج، فلما أعيت صاحب الزنج الحيل أشار عليه على ابن أبان باجراء الماء على السباخ، وأن يحفر خنادق في مواضع عدة تمنعهم من دخول المدينة ففعل ذلك، فرأى الموفّق أن يجعل قصده طمّ الخنادق والأنهار والمواضع المعوّرة ففعل ذلك، وحامى الزنج عنه ودامت الحرب، ووصل إلى الفريقين من القتل والجراح أمر عظيم، وذلك لتقارب ما بين الفريقين، فلما رأى شدّة الأمر من هذه الناحية قصد احراق دار صاحب الزنج والهجوم عليها من دجلة، فكان يعوقه عن ذلك كثرة ما أعدّ لها من المقاتلة والحماة عن داره، فكانت الشذاوات إذا قربت من قصره رميت من فوق القصر بالسهام والحجارة والمجانيق والمقاليع، وأذيب الرصاص وأفرغ عليهم فتعذّر احراقها لذلك، فأمر الموفّق أن يسقف الشذا بالأخشاب، ويعمل عليها الخيش وتطلى بالأدوية التى تمنع النار من احراقها ففعل ذلك، ورتّب فيها أنجاد أصحابه وجمعا من النفّاطين.
واستأمن إلى الموفّق محمد بن سمعان كاتب صاحب الزنج، وكان أوثق أصحابه في نفسه، وكان سبب استئمانه أنّ صاحب الزنج أطلعه على أنّه عازم على الخلاص وحده بغير أهل ولا مال، فلما رأى ذلك من عزمه أرسل يطلب الأمان، فأمّنه الموفّق وأحسن إليه؛ وقيل كان سبب خروجه أنّه كان كارها لصحبة صاحب الزنج، مطّلعا على كفره