القنطرتين، ولم يزل الموفّق يقاتلهم على سكرهم حتى تهيّأ له فيه ما أحب وحرقه.
فلما فرغ منه عزم على لقاء صاحب الزنج، فأمر باصلاح السفن والآلات للماء والطين، وتقدّم إلى ابنه أبى العبّاس أن يأتى الزنج من ناحية دار المهلبىّ، وفرّق العساكر من جميع جهاته، وأضاف المستأمنة إلى شبل، وأمر الناس ألّا يزحفوا حتى يحرّك علما أسود كان نصبه على دار الكرنبائى، وحتى ينفخ في بوق بعيد الصوت، وكان عبوره يوم الاثنين «١» لثلاث بقين من المحرّم، فعجّل بعض الناس وزحف نحوهم، فلقيه الزنج فقتلوا منهم وردّوهم إلى مواقفهم، ولم يعلم سائر العسكر بذلك لكثرتهم وبعد المسافة فيما بين بعضهم وبعض، وأمر الموفّق بتحريك العلم الأسود والنفخ في البوق، فزحف الناس في البر والماء يتلو بعضهم بعضا، فلقيهم الزنج وقد حشدوا واجترأوا بما تهيّأ لهم، فلقيهم الجيش بنيّات صادقة وبصائر نافذة، واشتد القتال وقتل من الفريقين جمع كثير، فانهزم أصحاب صاحب الزنج وتبعهم أصحاب الموفّق، فقتل منهم ما لا يحصى وغرق منهم مثل ذلك، وحوى الموفّق المدينة بأسرها، فغنم أصحابه ما فيها واستنقذوا من كان بقى من الأسارى من الرجال والنساء والصبيان، وظفروا بجميع عيال على بن أبان المهلبىّ وبأخويه الخليل ومحمد وأولادهما، فسيّروا إلى الموفقيّة، ومضى صاحب الزنج في أصحابه ومعه ابنه انكلاى وسليمان بن جامع وقوّاد من الزنج وغيرهم